الاردن: مواطنون يفقدون حقوقهم المدنية بعد ممارستهم "حرية المعتقد"

ما أن عبّر عن مشاعره تجاه دينه، حتى هبط سلم وجوده في الأردن من مواطن يتمتع بحقوقه إلى مجردٍ منها، حتى أن أمنه أصبح مهددا كذلك.
24 سبتمبر 2015 - 11:31 بتوقيت القدس
هبة ابو طه، عمان نت

ما أن عبّر عن مشاعره تجاه دينه، حتى هبط سلم وجوده في الأردن من مواطن يتمتع بحقوقه إلى مجردٍ منها، حتى أن أمنه أصبح مهددا كذلك.

عصام "اسم مستعار" لشاب ينتمي لعائلة مسلمة دينياً؛ عاش طفولته في المسجد، متتلمذا على يد رجل دين كان صديق والده فأخذ يعلمه تعاليم الدين الإسلامي، وعندما أكمل الخامسة عشر من عمره بدأ يتساءل عن معتقده وإيمانه.

"قرأتُ كثيراً ومن بين الكتب؛ الإنجيل وأعجبني ما به من علاقة روحانية بين العبد وربه وتفاصيل أخرى، فعندما أكملت الثامنة عشر، رجعت لرجل دين صديق والدي وأخبرته عما يجول في نفسي وقراري باختيار المسيحية دينا لي، فنهرني وصفعني على خدي وهددني بمحاسبتي أمام القانون وإخبار أقرانه من الشيوخ عن قراري"، يقول عصام.

يكمل :"لم أعر الموضوع أهمية فمن تتلمذت على يده ومن علمني أن لا إكراه في الدين لن يضرني لأُصدم بتسليطه علي بعد حين رجال متطرفين قاموا بضربي وشتمي وهددوني بالقتل ان لم أعدل عن قراري، فقررت حينها التراجع خوفا على عائلتي وروحي رغم قناعتي بالمسيحية و بحقي الإنساني بتغيير ديني".

لم يتقدم عصام بأي شكوى إلى الأمن العام أو المنظمات الحقوقية خوفا على حياته، على حد قوله، وهو أمر ليس غريبا طالما أن سجلات المركز الوطني لحقوق الإنسان لا تحتوي إلا على شكاوى متواضعة متعلقة بحرية المعتقد.

مسجد بقرب الكنيسة

حرية المعتقد مقيدة

رغم تأكيد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الشخص في حرية الفكر والوجدان والدين، وتغيير الديانة والمعتقد، واظهار الدين وممارسة الشعائر الخاصة بمعتقد الفرد، إلا أن في الأردن قيود على هذا الحق.

الفتوى رقم"901″ الصادرة من دائرة الإفتاء العام، تناولت حكم تغيير الدين للمسلم ونصت بفقرتها على انه:" ليس في الآيات القرآنية نفي حد الردة، وليس فيها ذكر عقوبة دنيوية أخرى، وإنما تشتمل على الوعيد الشديد في الآخرة لمن مات على الكفر، وهذا لا ينافي بوجه من الوجوه ما ثبت في السنة من اثبات حد الردة، وذلك في قوله عليه السلام:"من بدّل دينه فاقتلوه".
الباحث و المفكر الإسلامي حمدي مراد، يقول أن "الإسلام لم يقف بوجه حرية الأديان، بل وقف بوجه اللعب بالأديان ومن يعتنق ديانة معينة نفاقا، والراجح عند الأئمة أن "المرتد" يقتص منه باعتباره عابث وهنالك خصوصيات يجب أن ينظر بها أمام القضاء ويحكم بها حكما عادلا".
لا يوجد إجماع الفقهاء على القتل حال الردة مما يدعنا نقف على الحكم حيث هناك عقوبات تعزيرية غير القتل كالحبس حتى لا يعبث الأفراد في دياناتهم، حد قوله.
وأشار إلى حادثة في عهد النبي محمد طبق بها حد الردة على جماعات ممن كانوا يعتنقون الديانة اليهودية كانوا يؤمنون أول النهار ويكفرون في آخره.

عقاب المتحّول إسلاميا
يؤكد المحامي الشرعي سعدي قشطة على الفتوى، ويقول:" الفتوى هي تأكيدٌ لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبحسب الأحكام غير المفعّلة؛ الرجل الذي يرتد عن دينه الإسلامي يُستتاب وإن أصر يقُتل أما المرأة فُتحبس حتى وفاتها. ويعلق "لا جدال أو مهادنة في الدين الإسلامي، ذاكرا الآية القرآنية التالية:" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ".

يعتبر قشطة أن المعاهدات و الإتفاقيات الدولية التي نصت على حق المعتقد مبطنة ومغطاة و الهدف من وراءها القضاء على الدين الإسلامي بشكل تدريجي".

عقاب المتحول مسيحيا
فيما يلفت المحامي الكنسي سائد حواتمة إلى نبذ المجتمع المسيحي لمن يقدم على تغيير ديانته المسيحية إضافة الى عدم تقبله بين أصدقائه وعائلته وحرمه من الميراث.
بينما يقول مدير مركز القدس للدراسات، عريب الرنتاوي :"الدين هو علاقة بين الإنسان وخالقه لا يجوز لأي جهة كانت ممارسة دور الوصاية والرقابة على ضمائر ومعتقدات الأفراد".
يتفق مدير مركز هوية محمد الحسيني مع الرنتاوي، يقول أن "من قيم الدولة المدنية احترام حق الفرد في اختيار معتقده ودينه الذي يريد، فعلى الأردن الإختيار إما أن تكون دولة مدنية أم لا، لأن الدولة المدنية لا تعتدي على الحرية الفردية والحق في المعتقد".

كفالة الدستور
يكفل الدستور الأردني في المادة الرابعة عشر حق المعتقد بنصها "تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والإعتقاد طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب".

ينفي المحامي قشطة انتهاك حق الإنسان ضمن التشريعات القائمة في البلاد، يقول:"ان كان حظر تغيير الدين للمسلمين انتهاك لحقوق الإنسان فليكن، نحن اعلم بحقوق الإنسان".

انتهاك للحقوق المدنية
حرم قانون الأحوال الشخصية في المادة 28″ زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غير مسلم"، ونصت المادة 142 من قانون الأحوال على :"اذا ثبت ردة احد الزوجين ورفض العودة عن ردته يحكم القاضي بفسخ الزواج بينهما"، كما يحرم من اقدم على تغيير دين الاسلام من الميراث وحضانة الاطفال بحسب المادتي 281 و72 من ذات القانون، وأوجبت المادة 48 على المرأة المرتدة عن الإسلام بإعادة المهر لزوجها.

يكمن التناقض بادعاء الأردن بأنها دولة مدنية ديمقراطية وهي تنفذ أحكام الشريعة الإسلامية على مواطنيها حيث نصت المادة 325 من قانون الأحوال:"ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة النعمان فاذا لم يوجد حكمت المحكمة بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون".
يؤكد المحامي قشطة  على أن المسلم المرتد لا يجوز له اعتناق ديانة أخرى، عدا عن أحقية أي مواطن مسلم برفع قضية على من ثبت له ردته عن الدين الإسلامي.

يستهجن مدير مركز هوية الحسيني ادارة الأحوال الشخصية وفقا لأحكام الإسلام والزام الأفراد في المحاكم الشرعية فيما يتعلق بأمورهم، مشيرا الى عدم جواز التدخل في خيارات الفرد الشخصية لما سيؤول له هذا التدخل من تمييز بين معتنقي الديانات المختلفة.
بدوره، يبين مدير مركز القدس الرنتاوي وجود اشكالية من جهة دستورية وسياسية، "الأردن يصنف نفسه دولة مدنية حين لا نرى سوى تطبيقات متفاوتة بحدتها بأحكام الشريعة الإسلامية، بداية من النص الدستوري بأن دين الدولة الإسلام مرورا بالقوانين الأقرب لأحكام الشريعة المتبعة في البلاد".
ويضيف:"يجب أن يكون للدولة فضائها الخاص غير المتدخل بحرية الأفراد بما فيها حرية الإعتقاد".

وقائع مصادرة الحقوق
في شهر نيسان العام 2008، أصدرت المحكمة الشرعية في منطقة صويلح حُكما على المواطن محمد عباد عباد بإبطال زواجه وتجريده من اي هوية دينية بتهمة الردة بعد تحوله عن الدين الإسلامي لاعتناق المسيحية مما اضطره الى مغادرة البلاد مع اولاده خوفا على ضياع حقوقه المدنية، وفق ما وثقه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية لذات العام.
وفي ذات السياق، يروي الشاعر اسلام سمحان لـ"عمان نت" تفاصيل تهمة الردة في 19 تشرين الأول عام 2008، يقول:" بعد صدور مجموعتي الشعرية باسابيع كتب احد الاشخاص مقالا في موقع أردني يتهمني بالاساءة للرسول ولزوجاته وللأديان، على اثر ذلك طُلبت لمقابلة مفتي المملكة المرحوم نوح القضاة وامام قاضي القضاة احمد هليل ومدير المطبوعات صدر قرار بتكفيري واقامة الحد علي بتهمة الردة"، ليواجه في 21 حزيران عام، 2009 "تهمة الردة" وأصدرت المحكمة حكمها على سمحان بالسجن سنة واحدة وبدفع غرامة  قدرها 10 آلاف دينار، يقول: "اعتقلت في سجن الجويدة وخرجت بعدها بكفالة مالية وبعد عام كامل من المحاكمات صدر الحكم.

استغلال وتمييز
يشير المحامي الكنسي سائد حواتمة إلى لجوء أشخاص من معتنقي الديانة المسيحية الى الإسلام بهدف تطليق زوجاتهم خاصة من هم من طائفتي الكاثوليك واللاتين، اضافة الى سعي آخرين منهم الخلاص من دفع النفقة للزوجة وتعويضها.

يعتبر حواتمة ذلك تعد على المحكمة الكنسية رغم إصدار قاضي القضاة تعميما ينص على التحقق والتثبت من عدة أمور قبل تسجيل أي حجة اسلام لأي شخص كان ومن هذه الأمور عدم وجود دعوى قضائية مقامة منه أو عليه لدى اي محكمة شرعية أو نظامية أو كنسية، وأن لا يوجد مصلحة دينوية وتكن الغاية من اشهار الإسلام اعتناق الدين عن قناعة تامة وراسخة، واوجب التعميم الموقّع من قاضي القضاة أحمد هليل إعلام المأذونين الشرعيين التابعين لمحكمتهم فيما يتعلق بمعاملات الزواج للتقيد بها تحت طائلة المسؤولية.

يكمل حواتمة:"للأسف ما يحصل يخالف الكتاب الصادر عن دائرة قاضي القضاة حيث لايتحقق القضاة الشرعيين من الشروط الواردة في التعميم ويكتفوا بسماع الشهادة منه لقبول إسلامه".

ومن جانبه، يقول الحسيني:"لو كنا دولة مدنية بحق لا يستطع الزوج التنصل من مسؤولياته تجاه زوجته ومن التزاماته المدنية حتى لو اقدم على تغيير دينه فمن ينظم الحياة الأسرية في الدول المدنية القانون المدني وليس الشرعي".

على الهوية
العشريني محمد لا يرى من داع لوضع الدين على هوية الأحوال المدنية، يقول لـ"عمان نت":"الدين بين العبد وخالقه ليس للعيان و لا ادري لماذا يحددوا الدين في الهوية، لا أرى مبررا لذلك سوى للتمييز بين الأفراد ولتضييع الهوية الوطنية الجامعة".

يرى الحسيني:"أن الدين حق شخصي من حق الفرد الاحتفاظ به وعدم اطلاع الآخرين عليه، ولا داعي لوجوده على بطاقة الأحوال المدنية".

ويؤكد الرنتاوي على ما سبق:"لا حاجة للإشارة الى الدين أو المذهب في بطاقة الأحوال لأن الشخص يعرّف بذاته وليس بجماعته الدينية أو المذهببية، خاصة في زماننا الذي يتميز بصراع الهويات سواء الطائفية أو القومية أو العرقية أو العشائرية".

لا شكاوى
تلقى المركز الوطني لحقوق الإنسان منذ تأسيسه العام 2004 -2012 سوى 12 شكوى متعلقة بحرية المعتقد، وفق ما وثقته دراسة "باتجاه مواطنة كاملة" التي نفذتها "شبكة الاعلام المجتمعي عام 2012. في اخر تقرير له ذكر ان عدد شكاوى حرية المعتقد كانت واحدة وقد أغلقت برضا الطرفين. 

الشكاوى المذكورة تركزت حول "تغيير الدين" والوضع الاجتماعي المرافق لها، أو العودة إلى الديانة الأصلية، وقد نشأ عنها مشكلات تخص الأطفال والتركات.

غير أن تقارير المركز الوطني خلال سنوات (2011-2014) أظهرت عن تلقيهم أربع شكاوى، ثلاث منها "أغلقت بطريقة مرضية" وواحدة وثقت "قيد بالمتابعة".

في تقرير  المركز الوطني عن سنة 2010، توصية ضمنتها لجنة اتفاقية مناهضة التعذيب، شملت توصيات آلية المراجعة الدورية الشاملة، لسنة 2009 وتضمنت التوصيتين (9، 14) في آذار العام 2009حول حماية حرية المعتقد، وقد ضمنها المركز في خانة التوصيات "متوسطة الإلحاح" الصادرة عن جهتين، هما "لجنة حقوق الإنسان المعنية بالحقوق المدنية والسياسية " و"لجنة مناهضة التعذيب".

التوصية التاسعة تضمنت قلق اللجنتين من "القيود المفروضة على حرية الديانة بما في ذلك النتائج المتمخضة عن الارتداد  عن الدين الإسلامي كالحرمان من الميراث..وجددت لجنة حقوق الإنسان المعنية بالحقوق المدنية والسياسية توصيتها الصادرة في عام 1994 حيال اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الحق في حرية الدين والمعتقد".

أما التوصية الرابعة عشر، نصت على ضرورة "حماية الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية الدين والمعتقد". 

فيما ترى دراسة "حرية المعتقد" بأن حرية المعتقد بمعاناها ومكوناتها في القانون الدولي غير مكفولة في القوانين الأردنية، فالمسلم الذي لا يرغب بالإسلام دينا ليس بإمكانه الإعلان عن لا دينيته لانه سيتم التعامل معه كمرتد وسيفقد التمتع بعدد من الحقوق والمسيحي الذي يعتنق الإسلام ثم يعود إلى مسيحيته سيُعد مرتدا بلا دين وسينتقص ذلك من حقوقه.

الدراسة كانت قد اقترحت اضافة على الدستور الأردني، من شأنها "توسيع دائرة حظر التمييز لتشمل المعتقد أو المذهب أو مجرد الرأي الديني أو الاعتقادي"، فضلا عن "إلزام المشرع دستوريا بتجريم التمييز بما في ذلك التمييز على أساس الدين أو المذهب أو المعتقد".

*التقرير بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" الكندية

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
قد يهمك ايضا