مسيحيو العراق يواصلون نزوحهم رغم تحذيرات قساوستهم

وإذا كان مسيحيو العراق نادرا ما يتعرضون اليوم لأعمال عنف، كما كانوا في ذروة الأزمة الطائفية في 2006-2007. فإن الهجمات اليومية والقنابل جعلت حياتهم جحيما
21 نوفمبر 2013 - 12:43 بتوقيت القدس
الشرق الاوسط

ينتظر أوشاليم بنيامين، الذي يمسك بالهاتف ويضع على ركبتيه حقيبة صور، أن يغادر العراق وهو يتأمل بعض ذكريات حياته التي كانت سعيدة مع أبناء الطائفة المسيحية التي يتناقص عدد أفرادها يوما بعد يوم.

وينتظر هذا المواطن البغدادي الذي يبلغ الرابعة والسبعين من عمره، اتصالا هاتفيا يفيده أنه يستطيع الالتحاق بعائلته في الولايات المتحدة ويترك بدوره طائفته المسيحية التي يرقى وجودها في العراق إلى ألفي عام وتناقص عدد أفرادها إلى النصف منذ الاجتياح الأميركي في 2003. ودعا بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل الأول ساكو الذي يشارك في لقاء بين مسؤولي كنائس الشرق الأوسط والبابا فرنسيس اليوم، المسيحيين إلى ألا يهربوا وانتقد البلدان الغربية التي تعطيهم تأشيرات. لكن عددا منهم يقول: إنهم باتوا مضطرين للهرب لأن اندلاع أعمال العنف في الوقت الراهن قضى على الأمل في تثبيت الاستقرار بعد التحسن النسبي للوضع الأمني ابتداء من 2008.

ويقول بنيامين، وهو متقاعد يتحمل مسؤولية فتاة مريضة في الثالثة والثلاثين من عمرها، بأنه «لو كنت قادرا لغادرت منذ اليوم». ويتبين من صوره بالأسود والأبيض أنه كان شابا وسيما يعزف على الأكورديون ومن هواة القفز العالي بالعصا. ولقد عمل موظفا في الحكومة وتزوج وأنشأ عائلة. لكن هذه الحياة السلمية قد ولت.

وإذا كان مسيحيو العراق نادرا ما يتعرضون اليوم لأعمال عنف، كما كانوا في ذروة الأزمة الطائفية في 2006-2007. فإن الهجمات اليومية والقنابل جعلت حياتهم جحيما. وقال بنيامين الذي التقته وكالة الصحافة الفرنسية في منزله بالدورة «قبل ثلاثة أيام فجروا سيارة في الشارع. وهذا النوع من الحوادث يحملنا على المغادرة».

ويبذل البطريرك ساكو قصارى جهده لمنع إغراءات الهجرة. وقال «هذه أرضنا. نحن هنا منذ ألفي عام، لدينا تاريخنا وهويتنا». وأضاف: «نحن أيضا مواطنون عراقيون، ولدينا دور للاضطلاع به»، مشيرا إلى أنه يدعو رعيته إلى «الصبر والحفاظ على الأمل من أجل المستقبل». ويعرب بنيامين عن اعتقاده بأن هذه الكلمات لا تنطوي على أي معنى. وقال: «فليأت مكاننا... وسيقرر عندئذ ما إذا كان يجب أن نهاجر أم لا، هو يعيش في مكان آمن، وليس كما نعيش نحن في الشوارع». وأضاف هذا السبعيني «عشنا أوقاتا رائعة في العراق عندما كان الوضع الأمني جيدا». وقال: «لكن هذه الأيام الجميلة قد تلاشت في الوقت الراهن. نعيش في سجن».

وكان أكثر من مليون مسيحي يعيشون في العراق قبل عشر سنوات، أما عددهم اليوم فيناهز 400 ألف، كما يقول البطريرك ساكو. وشهدت العاصمة، التي كان عدد المسيحيين فيها 600 ألف، هجرة حقيقية. ففي الدورة جنوب بغداد، تراجع عدد المسيحيين من 150 ألفا في 2003 إلى ألفين، كما يقول كاهن آشوري، هو رئيس الشمامسة تيماتيوس ايشا. وفي كنائسه السبع، لم يعد فيها سوى كاهنين.

وعائلة الأب ايشا استقرت في عينكاوه إحدى مدن إقليم كردستان العراق. وقال هذا الكاهن «أحيانا أرغب في الهجرة... لكن واجبي يقضي بأن أبقى هنا مع المسيحيين حتى يشعروا أن الأمور ستجري على ما يرام».

وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأن الهجرة بلغت ذروتها في أعقاب هجوم شنته «القاعدة» على كنيسة في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) 2010. ولقي فيه 44 شخصا وكاهنان حتفهم. ومنذ الاجتياح الأميركي، تعرضت 61 كنيسة لاعتداءات وقتل نحو ألف مسيحي، لكن ليس جميعهم في هجمات متعمدة، كما قال البطريرك ساكو.

وكلما فرغت بغداد من مسيحييها، ازداد في عينكاوه عدد المسيحيين الذين يوشكون أن يحولوا هذه القرية الكردية الصغيرة قرية مسيحية. وفي إحدى كنائسها الثلاث، يجري الاحتفال إحدى عشرة مرة بقداس الأحد، وتريد السلطات بناء ثلاث كنائس إضافية، كما يقول الأسقف الكلداني بشار وردة. لأن الأمل في العودة ضعيف. ويقول: إن «99% من العائلات المقيمة في عينكاوه لا تفكر في العودة» إلى مدينتها الأصلية.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
قد يهمك ايضا