عودي يا نعمي، عودي من ارض موآب

عندما كانت نُعمي في موآب ساءتَ الظروف إلى أسوأ حال. فقبلَ أن يموتَ هذين الإبنين، تزوَّجا بإمرأتين موآبيَّتين، الأمرُ الذي كان ممنوعا. فلقد ذهبت نُعمِي إلى موآب مع زوجِها وإبنيها، ورجعت بدونِهم، ولكن
14 يوليو 2019 - 00:14 بتوقيت القدس

عبر صفحات الكتاب المقدس نقرأ عن كثيرين تركوا بيت أبيهم وذهبوا ليُقيموا في كورةٍ بعيدة. في الكورة البعيدة حاولوا ان يَبنوا لانفسِهم بيتًا ويصنعوا تدبيرًا لتسديد الاحتياجات، ولكن الواقع صَفع في وجوهِهم بعتابٍ شديد: انتم في المكان الخطأ، وفي الحالة الخطأ. توبوا وارجعوا الى بيت الآب.

نُعمي امراةٌ تقيةٌ أطاعت رجلها اليمالك عندما قرّر ان يترك بيت لحم ويذهب الى بلاد موآب. بيت لحم هو بيت الخبز والشبع (وهذا معناه الحرفي)، الخبز الذي يوفّره الآب المُحب على اساس نعمته وجوده. موآب معناه "اي أب"، ومن الطبيعي ان يختبر الابن هناك فقدان حضن ابيه الدافئ.

لكن نعمي اطاعت رجلها. لم تُناقش ولم تَعترض. قال لها رجلها: "هناك افضل"! نعم، سنتغرّب هناك لكنني اعدك انه سيكون لنا خير. سنُحافظ على علاقتنا بالهنا، سنصلّي له كل يوم لكي يباركنا ويوسّع تُخومنا هناك.

نظرتْ اليه نعمي بعيونٍ ملانة حيرة وقالت له: "يا اليمالك، زوجي وتاج رأسي، هل انتَ متاكد من قرارك؟" اجابها بكلّ تاكيد: نعم يا غاليتي، هذه هي مشيئة الرب!

وهكذا، ذهب اليمالك هو وامراته وابناه ليتغرّب في موآب.

في موآب التفت اليمالك الى واقعه الجديد فرأى ما اخافه وأطار النوم من عينيه. ابنه الاول مريض، وحالته لا تسر القلب (اسمه محلون: ومعنى اسمه، مرض). وابنه الثاني تملّكَهُ الضعف حتى بدا انه يَفنى من الوجود (اسمه كليون: ومعنى اسمه، فناء)! تابعَ اليمالك بعينيهِ القلِقتيْن ليرى جوانب بيته ومسكنه الجديد فلم يرى ثمرا، مع انّه افراتيٌ (معنى كلمة افراتي: مُثمر)، وتلاشى جوّ التسبيح والفرح (مع انّه من بيت يهوذا، ومعنى كلمة يهوذا: تسبيح وهتاف).

قالت له زوجته: انا معك في الحياة والموت. لكنها تابعت متسائلة: ماذا انت ترى؟ قال لها: لا تخافي، الامور ستسير الى الافضل. نحن نثق بالهنا الصالح.

لكن، الامور سارت بعكس مُشتهيات القلب. ضعفٌ في العائلة، تعبٌ ومشقات، حيرةٌ وتساؤلات، وايضاً موتٌ ورقاد.

كان صوت الله ينادي بكل وضوح: عودوا الى حضني! عودوا الى بيت لحم لتتمتّعوا بخيراتي! لكن الاذان لم تكن مُستعدّة بعد لسماع ايّ صوت يَدين موآب وبيئتِها.

ومات اليمالك! ومات ابناه كلاهما! وبقيت نعمي وحدها. وفي وحدتها ومرارة قلبها تذكّرت فرح الرب في بيت لحم وجودِه الجزيل. تذكّرت وتأوّهت في قلبِها، وأخذت الخُطوة التي كان الرب ينتظرها: فقامت ورجعت من بلاد موآب الى بيت لحم.

في طريق العودة سمعت صوت الله يقول لها: لم اتوقف لحظةً عن النظر اليك والى عائلتِك عندما كنتِ في موآب. كنت اسَيّر الظروف بحسب سُلطاني لكي تلتفتوا الى مشيئتي وتعودوا الى بيت لحم. وها انت الان في طريق العودة. لا تخافي، انا معك. ساعود واباركك، واجعلك مثمرة (افراتية) واداوي جرحك واعوّضك عن خسارتك، وعن السنين التي اكلها الجراد.

الى كل متغرب عن "بيت لحم" اقول:

كما كان الحال مع نعمي، الرب يخاطبك الان: يا نعمي، عودي من ارض موآب! فان الله الآب المحب ينتظر عودتك الى حضنه الدافئ. هيا لا تؤجلي. 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. القس اشرف ابيشاي 19 يوليو 2019 - 10:24 بتوقيت القدس
قصة حلوة ما اروعها قصة حلوة ما اروعها
ما اروع واعذب هذه القصة التي نشكر حضرة القاضي على التعليق عليها شخصيا هذه القصة كانت سبب تعزية وتشجيع لي كما انها تعزية وتشجيع لكل مهاجر فراعوث تركت اهلها وشعبها والهتها وقالت لنعمي :«لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي.  حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ. هكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ بِي وَهكَذَا يَزِيدُ. إِنَّمَا الْمَوْتُ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ».(را١:١٦) حتي ان بوعز يقول لها: «إِنَّنِي قَدْ أُخْبِرْتُ بِكُلِّ مَا فَعَلْتِ بِحَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلِكِ، حَتَّى تَرَكْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَأَرْضَ مَوْلِدِكِ وَسِرْتِ إِلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ.  لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ».(را٢: ١١) وهنا تشجيع وتعزية لكل من هاجر وترك وطنه ليحتمي بالرب واعظم هجرة اولئك الذين هاجروا ليس طمعا في دنيا او ربحا ارضيا لكنهم اشتياقا للرب وتكريسا لمجده كان موسي في مصر في نعيم ارضي ونقرا عنه: "بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ،  مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ،  حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ.  بِالإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ،لأَنَّهُ تَشَدَّدَ، كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لاَ يُرَى.(عب١١: ٢٤) ومن قبله كان ابراهيم واسحق ويعقوب ومن صار على منهجهم هكذا كانت سيرة كل اتقياء الله الذين ارضوه بالايمان وعاشو بالايمان وماتوا في الايمان اذ نقرا عنهم : "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ.  فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَنًا.  فَلَوْ ذَكَرُوا ذلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ.  وَلكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً.(عب١١ :١٣)  وراعوث بطلة قصتنا اختارت الرب وشعبه اذ قالت لنعمي :"شعبك شعبي والهك الهي" لم تكن راعوث طامعة في ربح ارضي بل على العكس نراها تكدح وتتعب لاجل اعالة حماتها ونفسها لكنه الرب المكتوب عنه: "ثَوَابُ التَّوَاضُعِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ هُوَ غِنًى وَكَرَامَةٌ وَحَيَاةٌ".(ام٢٢:٤) الرب اكرم راعوث وايما اكرام فاسمها في سلسلة نسب المسيح وهي جدة الملك المحبوب داود والسؤال التطبيقي الي اين نذهب؟؟ ان كان يجب علينا ان نذهب؟؟ الاجابة الحاسمة القاطعة هي هذه التي قال لنا الرب : "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ." (يو١٢: ٢٦) فراعوث بطلة هذه القصة الرائعة كانت وراءها كسند وعضد نعمي التي رجعت ورجوع نعمي لم يكن مجرد رجوع الى مكان او ارض بل كان رجوع للرب، رجوع للمحبة الاولي، رجوع لعبادة وخدمة الرب. ونحن ايضا مدعويين ان نرجع الى الرب قال الرب: لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «إِنْ رَجَعْتَ أُرَجِّعْكَ، فَتَقِفْ أَمَامِي. وَإِذَا أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ فَمِثْلَ فَمِي تَكُونُ.(ار١٥ :١٩) يارب يايسوع يامخلصنا وقائد حياتنا راجعين اليك هبنا ان نتبعك دائما، حيث تذهب نحن نذهب ،وحيثما تكون وتدعونا نحن سنكون دائما، لنعيش لك ولنموت لك ولتكن ممجدا معظما في حياتنا امين