هوذا حَمَلُ الله

إذا أردنا أن نَصفُ إنساناً يمتاز بالهدوء والوداعة، بالتواضع والخضوع، فإن أول وصف يخطر على بالنا، وتنطق به شفاهنا: "أنظر الى هذا الشخص، إنه مثل الحَمَل الوديع!" إن كل أمر في العهد القديم، لَهوَ رمز و..
27 ابريل 2016 - 20:17 بتوقيت القدس

حمل وديع

إذا أردنا أن نَصفُ إنساناً يمتاز بالهدوء والوداعة، بالتواضع والخضوع، فإن أول وصف يخطر على بالنا، وتنطق به شفاهنا: "أنظر الى هذا الشخص، إنه مثل الحَمَل الوديع!" حقاً، فالحَمَل كان وما زالَ، رمزاً للتضحية، للتواضع. وهذا ليس باباً للصدفة أبداً، فلكل شيء ظل ورمز في نظر الله، للحَمَل مفهوم وبُعد روحي عظيم.

لنرجع بمخيلتنا إلى العهد القديم، إلى مشهد عظيم، هو تقديم الذبائح. وهذا الموضوع كبير وشاسع، لا يسعني في هذا المقال أن أذكر كل تفاصيله، لكن الذبائح ارتبطت إرتباطاً وثيقاً في العبادة (لاويين الإصحاحات 3، 4، 5، 6، 7). هي جزء أساسي ومحوري، لا يمكن فصله عن طقوس العبادة في العهد القديم، وخَصَّ الرب تعاليم وإرشادات خاصة ودقيقة جداً لتقديم هذه الذبائح.

لنغمض أعيننا ولنحاول أن نتخايل المشهد في خيمة الإجتماع: جمهور كبير قادم للعبادة، كل واحد يحمل الذبيحة التي يريد تقديمها، نيران ودخان يَصعد ليلاً ونهار، دماء في كل مكان. والسؤال هنا: "لماذا أمرَ الرب بأن تقام هذه الطقوس؟"

إن كل أمر في العهد القديم، لَهوَ رمز وَظِل للعهد الجديد، وكل هذه الذبائح التي قُدّمت ما هي إلّا تحضير وتهيئة للذبح الأعظم، يسوع المسيح، حَمَل الله، الذي قُدِّم ذبيحة بالنيابة عن كل العالَم! (يوحنا 1: 29)

وإننا نتذكر هذه الصورة، وتلمع في أذهاننا وأمام عيوننا لمعاناً خاصاً، مع إقتراب أقدس وأعظم مناسبة، والتي هي عيد الفصح. فأساس هذا العيد وجوهره، بل أساس إيماننا كله، هو موت يسوع الكفاري على الصليب، كما كانت الذبيحة هي أساس الإحتفال بالفصح لدى شعب الله.

الذبائح كانت تُقَدّم على مدار السنة، وليس فقط يوم الفصح، فمثلاً إذا أخطأ شخص ما، فإنه يُقدّم ذبيحة إثم، أو ذبيحة خطيئة (لاويين 5، 6). ولنتخايل ونتمعن في هذا المشهد، لنفكر بحياة هذا الشعب، الذي كلما أخطأ سهواً أو عَمداً، يضطر إلى تقديم ذبيحة للتكفير عن ذنبه! إنه لأمرٌ صعب، من الناحية النفسية، حيث يرى هذا الشخص الدم يسفك أمامه، وهو مكلف من الناحية المادية. ولأنَّ خطية الإنسان غير محدودة، هنالك ضرورة ان تُقَدَّم ذبيحة غير محدودة، ويشترط أن أن تكون بلا عيب، كاملة، تحتوي العنصر البشري والإلهي معاً، لتصلح العلاقة بين الإنسان والإله. وها هو اليوم المنتظر يأتي، والله يرسل ابنه إلى العالم ليخلص به العالم (يوحنا 3: 17)، ليطلب ويُخَلّص ما قد هَلَك (لوقا 19: 10)، ليتمم الناموس وكل النبوءات التي ارتبطت بموته (متى 5: 17). محبة الرب غير المحدودة، قابلت خطية الإنسان غير المحدودة، ودَبرّت ذبيحة غير محدودة. ما أعظمها من محبة (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية-يوحنا 3: 16). محبة الآب وتضحيته بابنه بموت الصليب، هي عنوان كتابه العجيب، كتب صفحاته بالدم السكيب. وسنتأمل هنا بمعاني ورموز لهذا العمل، موت الإبن الحبيب، فبموت يسوع أصبح لنا:

1) سترٌ وغطاء: عندما أخطأ آدم وحواء، طردهم الرب من جنة عدن، ولكنه قبل أن يطردهم، صنع لهم أقمصة من جلد (تكوين 3: 21) وهذه كانت أول ذبيحة في تاريخ البشرية، والرب بنفسه يذبح الخروف ويصنع من جِلدهِ أقمصة، ويُلبس آدم وحواء. وما هذا إلّا دليل على محبة الله وعمله الفدائي، الذي ستر عيوبنا وخطايانا، الذي غطّانا وكسانا برداء البر وألبسنا ثياب الخلاص (إشعياء 61: 10). لَقد جَرَّدَ الجنود يسوع من ثيابه، واقتسموها بينهم (يوحنا 19: 23). نعم، جُرِّدَ يسوع من ثيابه وتَحمَّل العار، ليلبسنا ثياب الخلاص، ونقف أمامه أبرار.

2) حُرّية وشفاء: من أحد ألقاب يسوع هو "العبد المتألم" (إشعياء 53). لقد أوثق يسوع وسيق للموت كالعبيد، ليحررنا من عبوية وأسر الخطية، ويطلقنا أحرار من قبضة إبليس. كما بجلداته أطلِقَ لنا الشفاء (1 بطرس 2: 24) الشفاء الروحي من مرض الخطية، والشفاء الجسدي، حمَلَ عنا آثامنا، وأسقامنا وأوجاعنا (اشعياء 53: 4). 

3) فرح وعزاء: يسوع حملَ أحزاننا، فلقد تنبأ عنه إشعياء قائلاً: "لكن أحزاننا حملها"، "رجلَ أوجاعٍ ومختبر الحَزَن."، "وأما الرب فَسُرَّ أن يسحقهُ بالحَزَن". نعم، فقد اختبرَ يسوع حُزناً وضيقاً، وحتى قبلَ أن يًصلب، حيثُ تركهُ الأصدقاء، وأنكرهُ وخانَهُ الأحباء. وعلى الصليب تَحمّلَ الألم الرهيب، حيث تركه الآب ليذوق نار العذاب. لقد حَمَلَ يسوع كل هذا الحزن والألم ليعطي للحزانى عزاء، وللباكين رجاء. 

4) ضمان الأبدية والسماء: صُلب مع يسوع لصَّين، واحدٌ عن يمينه والآخر عن يساره، واحدٌ استهزأ به، والآخر قبله وقال له: "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لوقا 23: 42). فأجابه يسوع: "الحَقُّ أقولُ لكَ:إنكَ اليوم تكون معي في الفردوس".
ما اعظم هذا الإعلان، ما أروع هذا الضمان. "اليوم"، وليس غداَ أو لاحقاً. نعم، بنفس اللحظة التي نقبل بها يسوع، ونؤمن بموته وقيامته، ونقبله مخلصاً، ففي الحال وبنفس اللحظة، ننال الخلاص، وننجو من القصاص. 

أحبائي، ما أعظم هذا الميراث، ما أثمن هذه البركات والامتيازات، التي صار لنا الحق بالتمتع بها على حساب الدم الثمين، دم يسوع المسيح، فادي العالمين.

دعونا نتذكر ونحن نحتقل بالفصح، بأنه عيد العبور، من الظلمة إلى النور، من الحزن إلى الفرح والسرور، من الضعف إلى قوة النسور. لنتذكر أن إلهنا حي وليس بين القبور. له المجد من الآن وإلى دهر الدهور!

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا