نظرة كتابية عن بعض حالات الاكتئاب

يُعرّف الكثيرون الاكتئاب باعتباره حالة تتّسم بمشاعر الكآبة والذنب يسفر عنها يأس وخمول، وكثيرًا ما يصفهُ الأطباء بأنه مرض. الاكتئاب حقيقة إنسانية لا نستطيع الهروب منها، تعبر عن ضعف الإناء البشري
04 أكتوبر 2013 - 12:22 بتوقيت القدس

يُعرّف الكثيرون الاكتئاب باعتباره حالة تتّسم بمشاعر الكآبة والذنب يسفر عنها يأس وخمول، وكثيرًا ما يصفهُ الأطباء بأنه "مرض". ويصف الكتاب المقدس المشاعر المصاحبة لبعض حالات الاكتئاب (والحزن والكآبة عامةً) بسقوط الوجه (تكوين 7:4)، الروح المنسحقة (امثال 22:17)، حزن القلب (امثال 13:15)، اليأس (مزمور 11:42)، القلب المنكسر (مزمور3:147)، الخطية التي تثقل القلب (مزمور 4:38)، النوح والانحناء بالنفس (مزمور6:38)، النفس التي تقطر حزنًا (مزمور28:119) والقلب الخائر (افسس 13:3، عبرانيين 12:3).

الاكتئاب حقيقة إنسانية لا نستطيع الهروب منها، تعبر عن ضعف الإناء البشري فنحن أوانٍ قابلة للكسر لكي نعود بفضل القوة لله وليس لنا.

عندما دخل يسوع عالمنا الساقط بدأ يدهش ويكتئب (مرقس 33:14). الاكتئاب اكثر من حزن، الحزن شعور لكن الاكتئاب حالة توصل الإنسان إلى أن يرفض الحياة، يرفض المتعة والجمال. الاكتئاب يشعر الإنسان بأنه عبىء عندما يستيقظ في الصباح، وعندما ينقضي النهار يبدأ بالتحسن.

عدة عوامل توقع الإنسان فريسة الاكتئاب لا ترتبط بالخطية ولكن علينا ان نحترز من التجاوب بطريقة غير كتابية عندما نجتاز بضعفات جسدية لأننا سنوقع انفسنا بالخطية. قد تأتي الخطية ايضًا بالاكتئاب كالإفراط في الطعام، الجنس خارج الزواج، تعاطي المخدرات، المرارة وغيرها. مثال على ذالك داود الذي وقع في الخطية ولم يتب ففقد رجاءه (مزمور 38).

سأذكر في تأملي هذا اربعة عوامل تُسبب الاكتئاب:

1- الضغوط الجسدية والنفسية:

الولادة، إجراء عملية جراحية، فترة الاستشفاء، الأرق، ظواهر فترة الطمث وظواهر فترة انقطاعها، الاختلال الهرموني، الإرهاق. ويذكر الكتاب اشخاصًا أُصيبوا بالاكتئاب بسبب الضغوط منهم رجل الله إيليا في ملوك الأول 19-18:1 نقرأ عن ايليّا النبي الذي خاف على حياته من تهديد ايزابل واستسلم وهرب رغم انتصاره العظيم مُصابًا بالاكتئاب، إنه اكتئاب ما بعد الحدث. لقد صرف طاقة في السير ليصل الى حوريب فأصيب بإعياءٍ شديدٍ. في وقت الحيرة والتعب نحتاج إلى مرشد، ومن أعظم من الرب؟ فهو يضيء بنور إرشاده لنا من خلال كلمته لذلك اعطانا وصايا وقال "احفظ يوم السبت لتقدسهُ" (خروج 8:20). يريد الرب أن يستخدمنا بقوة ولكن يجب أن نرتاح ونعبد الرب. إنّ انشغالنا المستمر بأمور يوميّة يجعل طاقتنا في الحياة تُستنفذ. إن شفاء الجسد هو الراحة ولكن شفاء الروح هو الحب وهو أن نعبد الله بالجماعة ونصلي سوية. لا ينتج الاكتئاب بالضرورة عن ضعف الحياة الروحية، بل عن ضعف الإنسان واحتياجهُ للآخر، فمن الضرورة أن يشعر الإنسان انه ذو قيمة فريدة تتكوّن في جسد الله وهذا يظهر من خلال اهتمام الآخرين به. ولذلك تصبح المحبة التي تمنحها جماعة المؤمنين لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب أمرًا مساعدًا لتخفيف أعراض الاكتئاب.

2- عدم البكاء والتعبير عن المشاعر:

في السماء فقط لا يوجد حزن ولا دموع، ولكن على الأرض ليست كل أيامنا شمسًا بل بعضها ظلام حالك، لذلك لا يجب ان نحيا بالكبت. النوح مفهوم سلبي لأنه دائمًا مرتبط باللون الأسود، ولكن تعريفهُ "التعامل مع الفقدان". مثال على ذلك: فقدان أجزاء من أجسادنا، فقدان مادي، فقدان علاقة، فقدان عمل وفقدان احتياج الحب بسبب كلام جارح.
لقد وضع الرب فينا الحب، أن نُحِب ونُحَب وأعطى وعدًا للذين يمرّون بالفقدان في اشعياء 3:61: "جمالاً عوضًا عن الرماد ودهن فرح عوضًا عن النوح ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة".
اليأس هو رفض الحياة ولكن النوح هو تعبير عن الفقدان وخصوصًا عندما نفقد احباء على قلوبنا (اعمال 2:8). تمر علينا احيانًا هذه الآية مرّ الكرام: "وحمل رجال اتقياء استفانوس وعملوا عليه مناحة عظيمة". عندما نبكي نجد احيانًا، البعض يتوجهون الينا لنصمت ولكن الرب بكى على قبر العازر، البكاء عملية تفريغ ليست دائمًا مُسرة ولكنها مفيدة، فالتعرق عملية تفريغ وإذا تنوالنا أدوية لعدم إفراز العرق ترتفع درجة حرارة اجسامنا ونفارق الحياة، ايضا إذا تناولنا طعامًا مسمومًا ولم نتخلص منه فنحن نعرض انفسنا للخطر، هكذا عندما لا نعبّر عن جروحنا النفسيّة أو عن أوضاعنا المحزنة فنصبح نحيا حياة الوحدة حتى وإن كنّا بين الناس. عندما لا نعبر عمّا في داخلنا ونشارك به الآخرين يصبح لدينا اكتئاب، في مزمور 13 نرى ان صاحب المزمور عبّر عن شعوره.

احيانًا لا نمارس النوح لئلا ندخل بدائرة الشفقة على النفس، او يُساء فهمنا مستخدمين القول المعهود "خليها بالقلب تجرح".

عزيزتي القارئه الدموع التي لا تبكيها سيبكيها جسدك وهذا عن طريق التعرض لعدة امراض كالقرحة، الصداع وحبوب في الجلد وغيرها. لا تمنعي نفسك من الشعور بالحزن فيسوع بكى في البستان. في وسط الألم نحتاج إلى معزي فالنذهب بقلوبنا المجروحه الى الرب ونقول" يا الهي نفسي منحنية فيّ" وهو كفيل أن يعالج قلوبنا.

3- التفكير الخاطئ:

قد تسبب فكرة خاطئة الاكتئاب (ملوك الأول 10:19). من الممكن أن نلوم رجل الله (ايليا)، ولكن ما أعظم الله الذي لم يلمهُ بل قدم له طعامًا وقام بفحص افكاره. لقد طلب ايليّا الموت بسبب اعتقاده انه وحيد، فقد تقود الوحدة الإنسان لقتل نفسه. وقف ايليّا أمام شعب جاهل لم يعبد الرب واعتقد انه المؤمن الوحيد، ولكن ما اعظم الله الذي اصلح فكر النبي بقوله يوجد سبعة آلاف ركبة لم تسجد للبعل. لم يُصحح الرب معلومات إيليّا عند ألمه بل سمح له أن يعبر عن مشاعره، فعلم ايليّا أن الله معه. إن علاقتنا بالله من بعض حالات الاكتئاب، حتى إن لم يتغيّر الموقف، فالله عنده القوة أن يرفعنا فوق الموقف ويمشينا على المرتفعات ونفرح بالرب الذي عبرّنا الجبل (حبقوق 3-19:17).

4- النظر بعين سلبيّة:

أحيانًا وبسبب كثرة الأمور السلبيّة التي نتعرض لها في حياتنا كعدم التشجيع وكلام التجريح والضيقات والآلام لا نستطيع ان نجد أمرًا ايجابيًا نحيا من أجله.
 اختي القارئة هل تعلمين انك إذا سلمت نفسك للمسيح تكون هذه أكبر حقيقة ايجابية في حياتك؟ كاتب المزمور 42 قال: "لماذا انت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ ترجي الله لأني بعد احمده خلاص وجهي والهي" (مزمور 11:42). كلمات فيها تصميم بالرغم من كل آلامنا وأحزاننا وعندما نسبح الههنا نرتاح نفسيًّا وجسديًا. عندما نرفع أعيننا إلى العلاء نشاهد نور النجوم تعطينا الرجاء. إنها صوت الله الذي يقول لك انا احبك ووعده الذي يقول لن اهملك ولن أتركك، وتصميم المصلوب أن يخلصك من الخطيئة وما نتج عنها. أيتها المكتئبة لا تخافي فلن تختفي وعود الله وإن رفعت رأسك لتريها فسيرتفع بنعمته قلبك.

وتلخيصًا لما قد كُتب، تذكّري هذه الأمور التي قد تساعدك:"ارتاحي من تعبك" "عبرّي عن ألمك" "افحصي فكرك" "سبّحي ربك".

ولا تنسي كلمة الله التي تساعدك على مواجهة هذه المشكلة وتساعدك على اتخاذ التوجه الصحيح في الحياة وسط الشعور بالاكتئاب: مزمور 7:19-14 و165:119؛ امثال 25:16؛ 1 كورنثوس 25:1؛ 2 تيموثاوس 16:3-17؛ 2 بطرس 1:2-10؛ 1 يوحنا 4:5-5.

أخيرًا، أردت أن أنوه أنني لا أعرض في هذه المقالة وصفات سحرية للشفاء من الاكتئاب، بل عرضت التوجه الكتابي الصحيح تجاه حالة الاكتئاب. أعرف أن هنالك حالات صعبة من الاكتئاب العميق تحتاج إلى استشارة طبيب/ة نفسي/ة، وأومن أن الله يستخدم الأطباء لشفاء البشر. ولذلك من أن تشعر أنها تحتاج إلى استشارة طبيب/ة نفسي/ة فلتفعل ذلك مصلية أن يستخدم الله الطبيب/ة لمساعدتها على التخلص من الاكتئاب.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا