الحقّ حياتنا

مسيرتنا معه هي دعوة شخصية للبركة لكل منا، لنتمتع في نعمته في أجواء الحق، فالحق حياتنا، وبه نحيا ونتحرك ونوجد. في هذه المقالة وقفات قصيرة للتأمل في خمسة أعمدة مسيرتنا في الحق.
30 ابريل 2018 - 01:47 بتوقيت القدس

في مسيرة حياتنا مع الرّبّ، نحن موكلون لنعيش ونعمل وفقًا للمعايير السماوية السامية، التي نقتفي فيها آثار ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، إذ بكونه "الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا14: 6)، ترك "لَنَا مِثَالاً" لِكَيْ نتبع خُطُوَاتِهِ (1 بطرس 2: 21)، فهو وحده طريق السماء ولَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ به. 

مسيرتنا معه هي دعوة شخصية للبركة لكل منا، لنتمتع في نعمته في أجواء الحق، فالحق حياتنا، وبه نحيا ونتحرك ونوجد. في هذه المقالة وقفات قصيرة للتأمل في خمسة أعمدة مسيرتنا في الحق.

1. آمن بالحق:

في متاهات العالم وزخم التخبطات العقائدية والدينية والأيديولوجية، يظهر الرّبّ يسوع المسيح، معلنًا ومبرهنًا بكل يقين وثقة "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي"، ومقدمًا الدعوة العامة للخلاص والحياة الأبدية: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ" (يوحنا5: 24). نعم بيسوع المسيح وحده صار لنا "النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ" إذ أن "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يوحنا1: 14-18). طوبى لتلك المرأة السامرية التي تغيرت وتجددت حياتها في لقائها مع المخلص على البئر، وطوبى للنفوس العطشى من السامريين الذين َقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ» (يوحنا4: 42). وفي المقابل وبّخ الرّب عدم ايمان ورفض الجموع التي عايشته، واختبرت حياته، وسمعت أقواله، ورأت معجزاته، ولمست أعمال الرحمة الصادرة من قلبه المحب، وسمعت شهادات السماء له أنه هو وحده الابن الحبيب مصدر مسرة الآب، ومع ذلك رفضوا الايمان به، فوبخهم بأسف وأسى على غلاظة قلوبهم، وضياع فرصة ربح نعمة الحياة الأبدية، قائلًا لهم: "وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ".

صلاتي أن تدرك عِظَم النعمة المخصصة لك أنت شخصيًا، فتؤمن بفادي الأجيال ومخلص العالم الذي يحبك، لتنال الحياة الأبدية.

2. عِش الحق:

إيماننا بالحق هو دعوة للعيش بموجبه، دعوة للسلوك المُشِع بثمر الروح، دعوة لفضائل التواضع والوداعة، وطول الأناة والتسامح والمحبة، والاتحاد والسلام، "أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ" (افسس4: 1-2). دعوة للسلوك وفقًا للمعايير السماوية "كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ"، وذلك بفضل عمل روح الله فينا "لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ" (كولوسي 1: 10-12). فالعيش في الحق ووفق معاييره، فيه تمجيد للرّبّ وإنارة للآخرين "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى5: 16). لقد عاش إبراهيم هذا الحقّ بعد أن أمن بالرّبّ وسلّم كل حياته وكيانه ومصيره بين يديه، غير مرتاب، بل واثق من القيادة الإلهية الحكيمة التي دعته فأطاع الدعوة السماوية «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». (تكوين 12: 1-4). 

صلاتي بكل بساطة، أن نتواضع أمام الرّبّ طالبين نعمة وقوة خاصة لكي نتمم وصية هذه الدعوة، وفقًا للوحي الإلهي على فم الرسول بولس الذي أوجزها بدقة متناهية "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ" (فيليبي1: 27).

3. اشهد للحق:

من آمن بالحقّ واتخذه طريقًا، لابدّ أن يشهد له بحياته من خلال الإشعاع بالسلوك، ومن خلال الإعلان بالفم. وقد حضّر الرّب يسوع تلاميذه ليدركوا عظم المسؤولية وسمو الامتياز في أن يكونوا له شهودًا أينما كانوا وأينما حلّوا، وذلك من خلال نعمته عليهم، وقوته فيهم بحلول الروح القدس، «... لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال1: 7-8)، وهكذا نراهم في يوم الخمسين يجاهروا في الشهادة الحقّة عن ذاك الذي افتداهم بموته الكفاري وافتقدهم بقيامته المجيدة، فآمن بشهادتهم الآلاف.

صلاتي أن نكون بنعمته شهودًا أمناء للحق، كما شهد المعمدان: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!...» (يوحنا1: 29-31)، وكما شهد المولود أعمى بعد أن فتح يسوع عينيه، «... أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ» (يوحنا9: 25)، فهو مستحق أن نشهد له بكل ثقة وجسارة «يَا رُؤَسَاءَ الشَّعْبِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ... فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا. هذَا هُوَ: الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال4: 8-12).

4. انشر الحق:

من يؤمن بالحق يعيشه، ويسلك بموجبه، ويشهد بعظيم نعمته، فتمتدّ الشهادة لينشر الحقّ لكل من يقبل الدعوة والاستنارة السماوية. هكذا نحن موكلون من الرّب لننشر البشارة السارة المعلنة للجميع من أجل خلاص البشرية "لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا3: 15-16).

صلاتي أن يؤهلنا الرّبّ لنُطيعه في الارسالية العظمى لنشر الإنجيل، أي الخبر السار، عاملين بوصيته: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 18-20).

5. أودع الحق:

من يؤمن بالحق يعيشه، ويسلك بموجبه، ويشهد بعظيم نعمته، وينشره للقريب والبعيد، كما ويهتم باستمرارية اعلانه ونشره، فيدرّب أناسًا أمناء، ذوي كفاءة، ليودع الرسالة بين أيديهم، ليقوموا هم بدورهم في تعليم وتدريب آخرين لنشر الانجيل "فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا" (2تيموثاوس2: 1-3).

صلاتي ان نُدرك أهمية مضاعفة البركة في نشر الحقّ وايداعه بأيدي أناس أمناء أكفاء ليتابعوا المسيرة، وأن ينهضنا الرّبّ بالتذكرة فنشهد لعظيم نعمته فينا...

وأخيرًا "فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ، بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ. وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً. حَتَّى كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ»" (1كورنثوس1: 26-31).

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا