إيمان يدعو للوحدة

إن القراءة السريعة لسيرة القائد باراق، تعطي القارئ انطباعًا أنه شخص قليل الإيمان. لأنه عندما طلبت ‏منه دبورة أن يذهب لملاقات يابين ملك كنعان ورئيس جيشه سيسرا؛ رفض الذهاب وحده، إلا إذا ذهبت ‏معه دبورة
16 يناير 2016 - 23:25 بتوقيت القدس

إن القراءة السريعة لسيرة القائد باراق، تعطي القارئ انطباعًا أنه شخص قليل الإيمان. لأنه عندما طلبت ‏منه دبورة أن يذهب لملاقات يابين ملك كنعان ورئيس جيشه سيسرا؛ رفض الذهاب وحده، إلا إذا ذهبت ‏معه دبورة:

‏"4 وَدَبُورَةُ امْرَأَةٌ نَبِيَّةٌ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ، هِيَ قَاضِيَةُ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ.... 6 فَأَرْسَلَتْ وَدَعَتْ بَارَاقَ بْنَ ‏أَبِينُوعَمَ مِنْ قَادَشِ نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: أَلَمْ يَأْمُرِ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اِذْهَبْ وَازْحَفْ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ، وَخُذْ مَعَكَ ‏عَشْرَةَ آلاَفِ رَجُل مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَمِنْ بَنِي زَبُولُونَ، 7 فَأَجْذُبَ إِلَيْكَ، إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ سِيسَرَا رَئِيسَ جَيْشِ ‏يَابِينَ بِمَرْكَبَاتِهِ وَجُمْهُورِهِ وَأَدْفَعَهُ لِيَدِكَ؟ 8 فَقَالَ لَهَا بَارَاقُ: إِنْ ذَهَبْتِ مَعِي أَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ تَذْهَبِي مَعِي فَلاَ ‏أَذْهَبُ‎.‎‏" قضاة 4.‏
لكن في الوقت نفسه كتاب العهد الجديد يعظم جدًا إيمان باراق، ويضعه في أصحاح الإيمان في عبرانيين ‏‏11، ويضمه مع نفس الفئة من الأنبياء العمالقة:
‏"32 وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضًا؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، ‏وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ، 33 الَّذِينَ بِالإِيمَانِ: قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرًّا، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ،"‏
فتُرى ما هو الشيء المميَّز في إيمان باراق الذي يجعل الوحي يضعه مع الأنبياء والملوك العظام، أمثال ‏دانيال وداود وصموئيل وغيرهم؟؟؟

وحدة الايمان

قبل أن نجيب على السؤال وبناء على الصورة التي رسمها العهد الجديد لباراق، سنستبعد احتمال أن باراق ‏رفض الذهاب بدون دبورة بسبب عدم الإيمان، ونبحث عن أسباب أخرى لطلبه هذا؛ فنرى تميُّز إيمان باراق ‏فيما يلي:

‏1- إيمان يدعو للوحدة:‏

إن أعظم مزية تميز إيمان باراق هي أنه يؤمن بدعوة الله؛ لكن يؤمن أيضًا بأنه يجب أن يتبع طرق الله في ‏تحقيق دعوته، وهي طريق الوحدة بين صفوف شعب الرب. فرفضه للخروج لوحده كان سببه التوحد مع ‏دبورة في هذا العمل العظيم. فأحيانًا ننحصر في خدماتنا تحت شعار "تحقيق دعوة الله"، ونفقد قصد الله من ‏وراء الدعوة، وهي وحدة الكنيسة أي جسد المسيح؛ كما صلى المسيح وقال:
‏"22 وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ‎.‎‏" يوحنا 17.‏
نرى هذا من كلمة "ليكونوا" أي الهدف هو ليكونوا متوحدين؛ فلا نفع من تحقيق العمل، مع ضياع وفقدان ‏الهدف والقصد من وراء الدعوة والعمل!!!‏

‏2- إيمان يتنازل عن المجد الذاتي:‏

عادة لا يحب الإنسان بالجسد أن يشرك خدام آخرين في الخدمة معه، لكي ينال المجد لوحده دون أي ‏شريك معه! لأنه يطلب مجد ذاته. فنرى هنا دبورة تمتحن باراق، بأنه سيفقد المجد والافتخار لذاته، إذا ‏اختار طريق الوحدة، حيث قالت له:
‏"9 فَقَالَتْ: «إِنِّي أَذْهَبُ مَعَكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَكَ فَخْرٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَنْتَ سَائِرٌ فِيهَا. لأَنَّ الرَّبَّ يَبِيعُ ‏سِيسَرَا بِيَدِ امْرَأَةٍ». فَقَامَتْ دَبُورَةُ وَذَهَبَتْ مَعَ بَارَاقَ إِلَى قَادَشَ‎.‎‏" قضاة 4.
فباراق لم يهتم بطلب الفخر لذاته ولا يهمه مجد ذاته، بل كان كل همه انتصار ومجد إله إسرائيل. نعم ‏أخي الخادم العزيز، عندما تطلب أن تتوحد في العمل مع خدام آخرين، سوف تفقد الافتخار الذاتي. لست ‏أنكر أن الإنجاز الشخصي في الخدمة له لذة كبيرة كإنسان؛ فكل إنسان عنده طموح بشري، ويحب أن ‏يقول الناس "فلان عمل" و "فلان حقق كذا وكذا"!! لكن هل أنت مستعد أن تتنازل عن فخرك وإنجازك ‏وتكتفي بأن يقول العالم، "مجدًا للرب على أمانته وعظمته". لكن تأكد أن أبوك السماوي الذي يرى في ‏الخفاء صدقني سيجازيك علانية؛ وعندها سيكرمك أمام الجميع في وقته. لأن طريق الكرامة الحقيقية في ‏عيون الرب هي إنكار الذات واختيار إكرام الرب؛ بعدها يعطيك الرب كرامة علانية إذا أراد:
‏"33 مَخَافَةُ الرَّبِّ أَدَبُ حِكْمَةٍ، وَقَبْلَ الْكَرَامَةِ التَّوَاضُعُ" أمثال 15.‏
فلا تستعجل أخي الخادم لنيل الوعد الإلهي، لأن الاستعجال يجعلك تفقد البركة. توجد في سفر الأمثال آية ‏عميقة للذين يريدون نيل النجاح بسرعة دون انتظار الرب وطرقه:
‏"21 رُبَّ مُلْكٍ مُعَجِّل فِي أَوَّلِهِ، أَمَّا آخِرَتُهُ فَلاَ تُبَارَكُ" أمثال 20.‏
لذلك قال الرب:
‏"6 فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ" 1 بطرس 5.‏
لقد رأيت في حياتي الروحية العشرات من الخدام المباركين الذي استعجلوا في نيل وعود الله لذلك استعجلوا ‏في المطالبة في مراكز في الكنائس والخدمات؛ وعندما لم ينالوا ما يطلبونه، تركوا أو انفصلوا. وفي النهاية ‏فقدوا الدعوة والبركة، حتى بعضهم ابتعد عن الرب!! فالذي يحفز المؤمن عادة للاستعجال في نيل وعود ‏الله، هو طموحه البشري في نيل النجاح والإنجاز الشخصي؛ الذي عادة يكون من الصعب عليه أن يطرحه ‏جانبًا وينكر نفسه، لينحصر في تمجيد الرب وحده دون أي شريك، كما اختار باراق. فهل ستستطيع أن ‏تتوحد أخي المؤمن بنفس الروح، مع كل المؤمنين والملائكة في السماء في نشيدهم؟؟ الذي يعطي كل ‏المجد للرب وحده، وتقول:
‏"12... مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ (أي المسيح) أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ ‏وَالْبَرَكَةَ‎!‎‏" رؤيا 5.‏

‏3- إيمان يعكس طاعة كاملة:‏

بعدما اختار باراق عمل الرب متوحدا مع القاضية النبية دبورة، عمل تمامًا كما أمره الرب على فمها:
‏"10 وَدَعَا بَارَاقُ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيَ إِلَى قَادَشَ، وَصَعِدَ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفِ رَجُل. وَصَعِدَتْ دَبُورَةُ مَعَه....14 ‏فَقَالَتْ دَبُورَةُ لِبَارَاقَ: «قُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَفَعَ فِيهِ الرَّبُّ سِيسَرَا لِيَدِكَ. أَلَمْ يَخْرُجِ الرَّبُّ قُدَّامَكَ؟» فَنَزَلَ ‏بَارَاقُ مِنْ جَبَلِ تَابُورَ وَوَرَاءَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ رَجُل‎.‎‏" قضاة 4.
فلم نراه مثلا يدعو باقي الأسباط، أو أخذ عدد أكبر من الرجال للحرب!! فعندما نتكلم عن إيمان يدعو ‏للوحدة، هذا لا يعني أن يتوحد المؤمن مع جميع المؤمنين؛ بل هناك مشيئة أيضًا لسير الخدمة يجب أن ‏نطيع الله فيها. ونسأل الرب: مع من يريدنا الرب أن نتوحد في العمل؟ الكيفية؟ التوقيت؟ .... وهذا ما ‏فعله باراق المبارك.‏

‏4- إيمان يرى النجاح والانصار للرب وليس له:

كانت النتيجة الحتمية للعمل، أن الرب هو الذي تحرك وحارب عن بني إسرائيل في الحرب:
‏"15 فَأَزْعَجَ الرَّبُّ سِيسَرَا وَكُلَّ الْمَرْكَبَاتِ وَكُلَّ الْجَيْشِ بِحَدِّ السَّيْفِ أَمَامَ بَارَاقَ. فَنَزَلَ سِيسَرَا عَنِ الْمَرْكَبَةِ ‏وَهَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ‎.‎‏ 16 وَتَبعَ بَارَاقُ الْمَرْكَبَاتِ وَالْجَيْشَ إِلَى حَرُوشَةِ الأُمَمِ‎. ‎وَسَقَطَ كُلُّ جَيْشِ سِيسَرَا بِحَدِّ ‏السَّيْفِ. لَمْ يَبْقَ وَلاَ وَاحِدٌ‎.‎‏" قضاة 4.‏
كما وعد الرب في موضع آخر وقال:
‏"4 لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ لِكَيْ يُحَارِبَ عَنْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ لِيُخَلِّصَكُمْ" تثنية 20. ‏
وهذا يجعل الخدمة قوية ومؤثرة وغير متعبة؛ وهي حقيقة فريدة نختبرها فقط عندما نخدم بروح الوحدة ‏والمشيئة؛ التي ثمنها هو إذابة الطموح الذاتي وطلب مجد الله الحقيقي. لذلك ترنمت دبورة وباراق متوحدين ‏معًا، وقالا:‏
‏"‏‎1 ‎‏ فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ: 2 لأجل استعداد بني إسرائيل للمعركة وتطَوَّع ‏الشعب للذهاب إلى الحرب، احمدوا الرب" قضاة 5.
فعندما نقرأ النشيد، نجد أن كلا دبورة وباراق حتى أعطيا معظم الامتياز والمدح لجميع من اشترك في ‏العمل؛ سبط زبولون ونفتالي، وياعيل زوجة حابر القينيِّ: "24 ‏‎24‎‏ تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ ‏الْقِينِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ" قضاة 5؛ فلا نجد أي امتياز خاص لباراق ولدبورة في النشيد!! هكذا ‏قد تكون النتيجة التي ستواجهها يا أخي الخادم عندما تختار أن تشرك الآخرين في العمل وتذيب طموحك ‏ونجاحك وإنجازل الشخصي؛ فهل أنت مستعد لهذا؟؟؟

أصلي أن يكون شعار هذا العام، شعار الوحدة في صفوف كل المؤمنين في الأراضي المقدسة وكل الوطن ‏العربي.‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. غازي نصيف 18 يناير 2016 - 12:49 بتوقيت القدس
ما أروع هذه الرسالة ما أروع هذه الرسالة
ليبارك الله حياتك يا سيدي الأستاذ باسم ادرنلي. فعلا رسالة من الرب في توقيتها!! أصلي أن تنحفر في قلوب جميع قادة الكنائس في كل الشرق الأوسط