أيلول 2015 صمت صارخ

فرحة الأول من أيلول 2015 لم تدخل مدارسنا، لقد وصلت لكل مدارس البلاد من شمالها إلى ‏جنوبها، ولكنها عبرتْ عنا وتجاهلتنا، كأننا لا شيء، كأن ثلاثة وثلاثين ألف طالب هم مجرد حفنة ‏بشر، كأن عشرات البساتين...
03 سبتمبر 2015 - 15:47 بتوقيت القدس

فرحة الأول من أيلول 2015 لم تدخل مدارسنا، لقد وصلت لكل مدارس البلاد من شمالها إلى ‏جنوبها، ولكنها عبرتْ عنا وتجاهلتنا، كأننا لا شيء، كأن ثلاثة وثلاثين ألف طالب هم مجرد حفنة ‏بشر، كأن عشرات البساتين والمدارس الأهلية، المغروسة والمتأصلة في تراب بلادنا على ‏امتدادها، ذات التاريخ العريق المشرّف في خدمة هذه البلاد، وخدمة أهالي الأراضي المقدسة بكل ‏أطيافهم وتنوعهم الجميل الفريد، كأن هذه المدارس شوكة في حلق كثيرين، مع أنها حقًا وحقيقة ‏أكسجين الحياة لشعبنا ومجتمعنا وبلادنا. اسألوا التاريخ، وقفوا اليوم أمام مرآة الحق!‏

مقاعد المدارس فارغة - اضراب

لأول مرة في مسيرة حياتي التي كرستها للتربية والتعليم، لتربية أجيال مفكرّة باحثة مبدعة، لنشر ‏ثقافة السلم الحقيقي، السلام بين الإنسان وخالقه، الإنسان وذاته، الإنسان وأخيه الذي خلق على ‏صورة الله، السلام ما بين الإنسان وبيئته. نعم! علّمتُ أنه لا يمكننا أن ندعي أننا نحب الله إن كنا لا ‏نحب إخوتنا في البشرية مهما اختلفوا وتنوعوا عنا. لأول مرة في مسيرتي التي ليست بقصيرة بل ‏اتسعت لجم كبير من التجارب والخبرات بحلوها ومرها، لأول مرة في الأول من أيلول يفطر ‏الحزن قلبي، ويقتلني الصمت الرهيب. انتظرت أن تعجّ حضاناتنا وبساتيننا بخليط متنوع من ‏مشاعر أطفالنا في يومهم الأول، انتظرت ابتسامات أطفال الصف الأول، نعم! لأول مرة في الأول ‏من أيلول لم أستطع النظر للعيون التي تلمع ذكاء وشوقا لمسيرة التربية والمعرفة والعلم، فلم أستطع ‏ان أقول لهم: "مرحبا وأهلا بأطفال الصف الأول... نحن نحبكم". غابت ابتسامات الطلاب وتحيات ‏الشباب من مدارسنا... غيمة الكآبة خيمت على مدارسنا إذ غابت عنها طيبة وشقاوة أولادنا، روعة ‏وحماس معلمينا وموظفينا، أروع من عرفهم حقل العلم والتربية. نعم! انتزعت منا فرحة الأول من ‏أيلول. رغمًا عنا...‏

إضراب رغمًا عنا... إضراب لا بدّ منه... لا يمكنك أن تقف مكتوف الأيدي أمام تضييق الخناق ‏على المدارس الأهلية، وتنتظر لحظة خروج النفس الأخير، لا يمكن لمؤسسة تربوية أن تستمر ‏بمسيرتها في ظل بروق ورعود وعواصف هوجاء مهددة وفاعلة للهدم والتحطيم، للتجفيف ‏والتنشيف والتبخير، فجاء الإضراب معلنا بصمت صارخ أننا نأبى أن نصمت أمام جريمة وأد ‏جوهرة التربية والتعليم في بلادنا، التي خرج من أحشائها نساء ورجال فكر وأدب وعلم وقادة ‏مجتمع عظام.‏

مدارسنا الأهلية والكنائس الراعية لها، سارت على خطوات المعلم العظيم والراعي الصالح، ‏فكرست ذاتها لخدمة مجتمعها استمرارا لمسيرة سيدها الذي جاء ليخدِم لا ليُخدم، قدمت خلال مئات ‏السنين أجمل وأفضل ممتلكاتها من أراضٍ وأبنية لخدمة مجتمعنا، قامت بصيانتها وتطويرها وتجنيد ‏الأموال لتوسيعها وجعلها أفضل لتقدم على طبق المحبة والإخلاص، لفلذات قلوبنا، لأفضل ما ‏لدينا، أولاد مجتمعنا العربي، بكافة شرائحه وتنوعه الرائع، ولو أمكنها لجعلت مدارسنا جنة تحت ‏أقدام أولادنا.  فعجبي على الصمت الرهيب لمن يتخذون موقف المتفرج!! لا يمكن لأحد ردّ جميل ‏المدارس الأهلية، والمدارس الأهلية لم تتقدم يوما بطلب صرف حقوقها من المجتمع، فهي تعلمت ‏أن تقدّم بيد سخية وخفية بحيث لا تعلم اليد الأخرى بخبر هذا العطاء، ولكن عجبي من الجاحدين!!‏

مدارسنا الأهلية بطاقمها الرائع من موظفين ومعلمين بالرغم من الإجحاف في حقوقهم، (فمعلمو ‏المدارس الأهلية الابتدائية يعيشون على راتب "العالم القديم" كما تسميه نقابة المعلمين لأنهم ‏ممنوعون من الدخول لإطار "أفق جديد" – في هذه المصطلحات رموز تحكي قصتنا- كما أنهم لا ‏يحصلون عند خروجهم للتقاعد على مقابل لالتزامهم الدائم بالتعليم وندرة غيابهم عن المدرسة كما ‏هو الأمر مع زملائهم في المدارس الرسمية)، وبالرغم من شحّ الساعات التعليمية وملكات ‏المدرسة، يقدمون عصارة حياتهم وخبرتهم لشق مستقبل أفضل لأولادنا، لعمل المستحيل وتحقيق ‏الامتياز في كل المعايير.‏

صوت صرختنا واحد، مدرسة وطلاب وأهالٍ ومجتمع محلي، نريد لأولادنا الأفضل دائما. نطالب ‏بحق أولادنا في التعليم المجاني وبأعلى المعايير.‏

حان الوقت لنتحد معا، ليقف مجتمعنا بكل أطيافه واتجاهاته وقفة رجل واحد، لنُحصّل الحقوق ‏المشروعة لأطفالنا ومجتمعنا لدوام المسيرة الرائعة والمشرفة للمدارس الأهلية.‏

كفانا قعود، كفانا صمت... دعوتنا دعوة حق، دعوة علم وتربية، دعوة محبة، دعوة كرامة.‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. وجيه عرض 05 سبتمبر 2015 - 14:54 بتوقيت القدس
موافقة وتقدير موافقة وتقدير
راءع لقد أصبت الهدف. تلخيص مشرف لمسيرة المدارس الأهلية بثاريخها المشرق وإنجازاتها المشرفة وتضحياتها الجمة لخدمة المجتمع الذي نعيش فيه ونحن جزء منه. بوركت جهودك وتضحياتك حتما سوف تعطي ثمارا ناضجة وجيدة. كلنا أمل وثقة ان النجاح سيكون حليف كل من ناضل واستمر ولم ييأس لمدارسنا الأهلية. رصيد نفتخر به وهو متحدر وصلب لا يمكن لأي سياسة خاطئة او ثمييز ان يمحو تاريخها المجيد. بالنجاح والتوفيق