كثرت في الآونة الأخيرة اصوات المتطرفين المحسوبين على ابناء الشعب الفلسطيني، أصوات من شخصيات تُمثل أحزابًا وحركات سياسية ودينية اسلامية، تتطاول على المسيحيين وايمانهم في الاراضي المقدسة، في إسرائيل وفلسطين على حد سواء. هذه الاصوات بغالبيتها قادمة من رجال دين مُعتبرين وأصحاب شأنٍ في الوسط العربي الاسلامي.
وطالما تسببت هذه الاصوات بموجات من الاستنكار من المسيحيين الغيورين على ايمانهم في المواقع المسيحية، ومن ضمنها لينغا، وفي شبكات التواصل الاجتماعي. وكان هدوء الوطنيين من المسيحيين والمسلمين غريبا بعض الشيء، خصوصا عند اختفائهم الى حينٍ عن الساحة الاعلامية والفيسبوكية، هؤلاء الذين لم يصمتوا عندما ارتكب الاسرائيليون جرائم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساتهم ولم يهدأوا. اختفاؤهم هذا في وقت كهذا زعزع ثقة المسيحيين بهم.
ويدعّي الوطنيون ان "هؤلاء" المسيئين لا يمثّلون الشعب الفلسطيني وأصواتهم خارجة عن شخصيات فردية او مجموعة مندسّة لا تمت للمجتمع الفلسطيني بصلة وتهدف الى زعزعة النسيج الاجتماعي المترابط. ولم يكتفوا بهذا فقط، بل اعتبروا كل من يتطرق لهذه الاساءات او يذكرها "صانع فتنة"!
وبما انني ساذكر لكم من أقصد بـ "هؤلاء" فقد أصبح في عيونهم "صانع فتن" أيضًا، ولكن ما يهمني هو ان نتعرف على مجتمعنا وسلبياته، وأنتم قرروا بأنفسكم هل هؤلاء يعملون بشكل فردي ام ان اصواتهم نابعة من مجتمع مريض يحتاج الى الطبيب العظيم الرب يسوع المسيح لتحريره من أفكاره وكراهيته للآخرين؟
هؤلاء الذين لا يمثلون المجتمع الفلسطيني:
من رفعوا يافطة مسيئة للانجيل والمسيحية أمام كنيسة البشارة في مدينة الناصرة، وهي الكنيسة التي تُعتبر رمزًا للمدينة، هؤلاء لا يمثلون الا اقلية بحسب الادعاءات ومع هذا لم تقم اي جماعة اسلامية معتدلة او جماعة مسيحية بازالة اليافطة. وهؤلاء الذين وضعوا نصب ختم رسول الاسلام (علم داعـش) على الدوار امام الكنيسة نفسها بدلا من تخصيص مكان لها بحارة للمسلمين بعيدا عن مقدسات المسيحيين.
من هؤلاء ايضا الشيخ عصام عميرة الذي يُعلّم في المسجد الأقصى وينادي بقتال المسيحيين حتى لو كانوا جيرانهم المسالمين الى ان يؤمنوا بالاسلام ورسوله او الموت او دفع الجزية وهم صاغرون. وايضًا الشيخ محمد العايد الذي علّم في المسجد نفسه ان المسلمين سيدوسون المسيحيين واليهود، غير مبال بالمسيحيين على بعد خطوات قليلة من بوابة المسجد، ويهدد بفتح اوروبا باسم الخلافة القادمة في الوقت الذي اعلنت فيه المانيا عن استقبالها اللاجئين السوريين المسلمين. هل هؤلاء الشيوخ والمستمعون اليهم لا يمثلون المجتمع الفلسطيني ونسيجه؟!
ومن هؤلاء ايضا زمرة من الشباب العرب في القدس القديمة، الذين هاجموا مطرانية الحبش القريبة من الاقصى بعد أسبوع من خطبة للشيخ عميرة، وكسروا الصليب وبوابة المطرانية، واعتدوا على بيوت حارة المسيحيين (حارة النصارى) المجاورة لحاراتهم.
ومن هؤلاء الشيخ الشاب أيمن محاميد الذي نشر مقطعا على يوتيوب يذكّر فيه ان المسلمين اطلقوا على كنيسة القيامة اسم كنيسة القمامة وكأنه الاسم الشرعي للكنيسة، وطبعا قالوا انه لا يمثل المجتمع الفلسطيني.
وقد صرّح سكرتير الحركة الاسلامية الشمالية، الشيخ كمال خطيب، خلال اعتصام قادة الاحزاب العربية دعما للقدس والاقصى، بكلمة متمنيًا قيام خلافة اسلامية عاصمتها القدس، قالها بصوت جهوري غير مبال لشعور المسيحيين الذين شاهدوا ذبح اخوانهم في سوريا والعراق على ايدي عناصر الخلافة الاسلامية. ومن المعروف ان حزب الحركة الاسلامية من اكبر الأحزاب العربية في اسرائيل! فهل هؤلاء ايضا لا يمثلون المجتمع الفلسطيني؟!
حزب التحرير الفلسطيني الذي طالب باقامة خلافة اسلامية على اراضي فلسطين التاريخية، وهو حزب اخذ بالاتساع والانتشار بين الفلسطينيين، شاذ ولا يمثل الفلسطينيين. وهو يطالب بها في كل سنة خلال مؤتمر الخلافة السنوي.
التكفيريون الذين حرقوا أجزاء من دير مار شربل، قبل أيام في بيت لحم، لا يمثلون النسيج الوطني بحسب اقوال الوطنيين، ولا السبعة شباب الذي أسسوا خلية داعـشية منظّمة في الناصرة وتم الاعلان عنهم أمس- الخميس.
هل حماس التي تضيق على المسيحيين في غزة تمثل النسيج الفلسطيني؟ هل يتجاهلونها لانها ترفع علم التوحيد "لا إله الا الله" قبل العلم الفلسطيني ولها سلطتها الخاصة؟! والجهاد الاسلامي وايدولوجيته هل تعرفونها ام هي غنية عن التعريف؟! ولا اريد ان أُكمل عن انصار الشريعة في غزة وعن السلفيين... الخ.
هؤلاء كلهم واحزابهم وغيرهم من المتطرفين لا يمثلون المجتمع الفلسطيني بحسب ادعاء الوطنيين! محمود عباس المدعوم اسرائيليًا هو فقط من يمثلهم!
لقد عمل أباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا على تلاحم النسيج الوطني الفلسطيني وكانت المدارس المسيحية والمستشفيات في خدمة هذا الشعب الطيب، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ المزيد من العدوانية على المسيحيين وأعمال العنف آخذة في الازدياد، لانهم اكتفوا بالأعمال الخيرية فوصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم. الوطنيون ايضا يسيرون في طريق أجدادنا في صناعة الخير والمطالبة بالعدل والمساواة فهل يمكن اتباع الاسلوب ذاته للتأثير ايجابيا؟ اشك ان هذا وحده يكفي.
أعتقد ان الحل يجب ان يكون جذريا، علينا كمسيحيين ان نكون اكثر شجاعة لايصال صوت الحق الى شعبنا العربي بأطيافه كلها، الى المتطرفين والمعتدلين، وان نحدثهم عن محبة المسيح لنا كشعب وكأفراد، عن موته وقيامته وفدائه البشرية جمعاء. وعلينا، بدلا من المطالبة بالحرية الجسدية والمؤتمرات السياسية، ان نبذل الجهد اللازم في سبيل حرية النفوس والتحرر من قيود جنود الشر الروحية. فبالصـلاة والايمان والعمل الجدي سيتغير شعبنا رويدا رويدا وسيصحو من سباته الروحي ويكون سبب بركة لنا وللآخرين. فهل نحن مستعدون للمأمورية العظمى؟