خلقنا الله عرباً ويا ليته خلقنا خلاف ذلك. خلقنا لعائلات ناطقة بالضاد وهي لغة آخذه بالاضمحلال لشعب مهزوم يبدع في تسجيل الأهداف الذاتية في مرماه. خلقنا في حضارة تحمل وزرًا من "بطولات" غير مشرّفة وثقافة تكرّست للعنف والتخلف وكبت المرأة. خلقنا في الشرق في مجتمعات يتوجب عليها اليوم أن تختار بين فلول الفساد أو صبيان الاخوان.
وكما أن الكوشي لا يغيّر جلده ولا النمر رقطه – هكذا لن يفيد العربي لو سلخ جلده كما فعل مايكل جاكسون ولو تكلم الافرنجية بلكنة الواق واق وارتدى بدلة السموكينغ ولو "استبدل" عيونه السوداء بالعدسات اللاصقة الزرقاء. سيبقى في الصدر قلب عربي نابض.
غافل الخريف ربيعًا عربيًا جاء بالأمل فاكفهر فاصفرت أوراق أشجاره وما لبثت أن طارت في الهواء فبعثرت أحلامنا وأظهرت عورات كانت تغطيها. يأتي هذا الزمن الرديء كغمامة اكثر سوادًا على العرب المسيحيين من غيرهم في الشرق.
يعيرونهم أن قليل عديدهم فيجيبون أن من يدخل الباب الضيق قليل. إغراء الهجرة كبير فبلاد الغرب تنعم بالسلام والمساواة واحترام الانسان مهما كان لونه وعرقه. وهي كالمغناطيس تجذب المسيحيين الذين سئموا من خريف العرب. شهاداتهم العليا هي جواز سفر و"الجرين كارد" كالفاكهة النضرة تنتظر قاطفها.
جلست جحافل الشر والشياطين الذين قدموا من قاع جهنم على عارضة صليب الجلجثة واخذوا يعدون عدد زفراته منتظرين موته. رقصوا طربًا حين اسلم الروح. واجههم يسوع وقطع دابرهم وافسد عليهم حفلتهم الماجنة حين قام ظافرًا. هل نفر من بلاده ويسوعنا هو الأسد الخارج من سبط يهوذا؟
اصطفانا لنكون شهودًا بين ابناء شعبنا العربي اذ لم يترك نفسه بلا شاهد بين كل أمة ولسان وشعب. لا يريد "شاهد ما شفش حاجة" بل شاهد يجاهر بما رأى فيعجز محامٍ متمرس في أن يزعزع شهادته. انه يريد شاهدًا شبع من شهد عسل الرب. نعاهدك الا يأت اليوم الذي تكون فيه أرض المسيح قبور وشواهد من حجر تحكي عن ماضي غابر بل أرض شهود أحياء تتحدث حياتهم عن ذاك البار القدوس.
خلقهم الله على صورته ومثاله ولم يستثنيهم حين قال "لأنه احب الله العالم...". ولكن
الاهتمامات والقوى المتنافرة تتقاذفنا من كل صوب وتجذبنا بعيدًا عنهم. ندير ظهورنا لهم. نتنكر لأصلنا. نحاول تقليد مشية الآخر ونكاد ننسى مشيتنا. لكن البوصلة التي توجهنا عائدين صوب شعبنا العربي هي المحبة ولا سواها. نستمدها من مصدرها لذلك هي من ذات صنف محبته للبشر. انها المحبة غير المشروطة والمتدفقة بالنعمة. وهي وقود لخدمة خليقته من العرب ولتتميم دعوتنا.
محبته طرقت باب كل خاطئ ونادته باسمه ومحبتنا يجب أن تطرق باب خالد وأحمد وفريد وماجد وعلي وانطون في كل شارع وزقاق وحارة وضاحية في المنيا وبنغازي والسلط واللاذقية والدوحة والموصل ودير حنا وحلحول. انها ليست عامة ومجرّدة بل ملموسة ومحددة وسيول كثيرة من الكراهية لا تقدر أن تطفئها.
علت أفكاره عن أفكارنا وطرقه عن طرقنا فخلقنا عربًا ولذا لن نقول "ان أمكن ان تعبر عني هذه الكأس " بل سنقول "لتكن لا إرادتي بل إرادتك".
هل نقبل التحدي والدعوة؟!