أنظر وجه الله

قبل سنوات عديدة كنت اتأمل في المزمور السابع عشر، الذي يصرخ به الملك داود الى الله ليسمع صلاته ويحفظه من الشرير.
22 ابريل 2021 - 06:53 بتوقيت القدس

بشكل خاص، جذبني بشدة العدد 15 في هذا المزمور اذ يقول المرنم:

"أما انا فبالبِرِّ أنظر وجهك، أشبع اذا استيقظت بشبهك".

نعلم من الكتاب المقدس ان الله روح، لا جسد ودم ولحم، ولا حتى تمثال او صنم مصنوع من الحجر او الخشب، ولا حتى الذهب!

لكن نحن نؤمن ان الله ظهر بالجسد، الله الابن يسوع المسيح، كلمة الله، في ملء الزمان تجسد آخذًا صورة انسان بالكامل، يأكل ويشرب ويشعر ويتألم ويبكي، يموت ايضًا ولكن في اليوم الثالث يقوم من بين الاموات كما في الكتب، والان جالس عن يمين الآب القدوس، يشفع في القديسين.

اذا تأملنا في العدد 15 من المزمور، نفهم ان الملك كان يتحدث الى اله حي ويتأمل به، يتكلم اليه ويسمعه، وله رجاء حي به.

وكما قال داود "اما انا"، يجب على كل واحد منا، كل مؤمن حقيقي بالرب يسوع المسيح، غفرت خطاياه واختبر الولادة الجديدة بقوة كلمة الله وعمل الروح القدس، ان يقول اما انا، انا ابن لله، اعرف مكانتي بالايمان بالرب يسوع، لكني لا اتكبر او افتخر، حاشا لي!

بل اتعلم من سيدي الوداعة والتواضع ايضًا...

انا ابن لله، انا ابن القيامة والملكوت، ارفض ان اتشبه بمن يُخالف تعاليم الانجيل الخبر السار، حتى لو كانوا احبائي او اصدقائي او رفاقي في العِلم او العمل، او حتى احيانًا اخوتي في الكنيسة، عندما لا افهمهم ولا يفهمونني، عندها اقول مرددًا مع المرنم:

اما انا فبالبر انظر وجهه.

عندما نتكلم عن البِر، الذي به نرى وجه الرب، نقصد عن بِر الله وليس الانسان، لانه لا يوجد بار ولا واحد بيننا، بل هو وحده القدوس البار الآب السماوي مع الابن المبارك يسوع المسيح.

هذا البِر الذي سطع فوق الصليب، عندما اخذ يسوع البار خطايانا على عود الصليب، واعطانا بره هو، اصبحنا ابرار على حساب النعمة، لان يسوع سفك دمه على الصليب وغفر خطايانا، اخذ العقاب والموت بدلًا عنا جميعًا، لكي يهبنا الخلاص والحياة الابدية، ولكي نستطيع كل يوم من خلال بره ان نتفرس بجماله، ليس جمال بشري جسدي بل جمال روحي داخلي في الباطن والاعماق، لا يراه ولا يفهمه الا من تبرر بدم المسيح.

وكما نقرأ في المزمور 10:85:

"الرحمة والحق التقيا، البِر والسلام تلاثما"...

اين ومتى حدث ذلك؟ 

فوق الصليب.

سأل مرة فيلبس يسوع قائلًا:

"ارنا الآب وكفانا"

كان رد الرب يسوع له:

"انا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رآى الآب".

هل هذا معناه ان يسوع هو الآب؟

بالطبع لا، لان الله روح، والساجدون الحقيقيون يسجدون بالروح والحق، اي باعلان الروح القدس لكلمة الحياة، الانجيل المقدس.

كذلك نفهم ان يسوع جاء من عند الآب، وهو يحمل صفات الله الآب القدوس لانه معادل للآب بالمحبة والقداسة والمجد والقدرة، لذلك كل من رآى يسوع بالروح، يرى ويعرف الآب كما عرف الابن يسوع ايضًا.

نعلم ان التلاميذ رافقوا يسوع خلال خدمته على الارض لمدة حوالي ثلاث سنين، كانوا شهود للآيات والعجائب الكثيرة، لكنهم لم يعرفوا يسوع جيدا وبالعمق الروحي، الى بعد موته وقيامته، وعندما ارسل لهم الروح القدس الذي كان يشهد عن يسوع المسيح ويذكرهم بكل ما قاله يسوع.

كذلك نعلم ان رسول الامم المبارك بولس، لم يرى يسوع بالجسد بل بالروح، وهو الذي اختبر عمق معرفة يسوع المسيح بقوة الروح، لدرجة انه قال:

تمثلوا بي، كما انا بالمسيح...

لذلك كتب بولس لاهل كورنثوس:

"ان الرب فهو الروح، وحيث روح الرب هناك حرية، ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير الى تلك الصورة عينها، من مجد الى مجد، كما من الرب الروح" (كورنثوس الثانية 17:3).

يؤكد بولس الرسول هذه الرؤية الروحية للرب في رومية 29:8، لان الرب هو الذي سبق فعرفنا، سبق فعيننا لنكون مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين اخوة كثيرين.

وهنا نذكر ما قاله المرنم في المزمور:

اشبع اذا استيقظت بشبهك.

بولس تكلم انه علينا ان نشابه يسوع، وداود كتب انه يشبع عندما يشابه الرب، نشابهه بصفاته المباركة مثل المحبة، القداسة، البِر، الصلاح، الوداعة، التواضع، طول الاناة، اللطف، الوداعة...

ما الذي يُشبع قلوبنا في هذه الايام؟

هل فقط الزواج والاولاد، العلم والعمل، وجمع الاموال؟

او ربما التدين والاصوام والصلوات؟

او الزنى والخطية والشر والكذب والخداع؟؟!!

ليساعدنا الرب ان نشبع فقط عندما نشابهه هو وحده، نتغير كل يوم الى تلك الصورة عينها، صورة ابن الله الحي يسوع المسيح، الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته ايدينا، من جهة كلمة الحياة. (يوحنا الاولى 1:1).

نقرأ في العهد القديم عن موسى الذي تكلم مع الله وجهًا الى وجه، لكنه كان يضع البرقع على وجهه بعد ذلك عندما كان يخرج الى الشعب، وللاسف ما زال ذلك البرقع موضوع على قلبهم! ( كورنثوس الثانية 15:3).

كذلك يعقوب الذي خدع الجميع، اباه واخاه وخاله لابان، عندما رأى الرب في الحلم على السلم، والملائكة صاعدة ونازلة، تكلم الرب الى قلبه واعطاه الوعد المبارك في بيت ايل، بما معناه بيت الله.

هل اكتفينا نحن في مرحلة بيت ايل فقط؟

نذهب الى الكنيسة، نرنم ونصلي ونسمع الوعظة، لكن هل اختبرنا الولادة الجديدة؟ هل رأينا بالروح الرب يسوع المسيح، ونتغير الى صورته كل يوم؟

يعقوب بعد حلم بيت ايل، تصارع مع ملاك الرب وقمع فخذه في فنيئيل، بما معناه وجه الله. ( تكوين 30:32).

صلاتنا ان يقمع الرب فينا كل انا وكل كبرياء، لكي نستطيع ان نرى يسوع المقام من بين الاموات، وننتقل كما انتقل يعقوب، من مرحلة بيت ايل، الى فنيئيل.

نصلي ان يعطنا الرب هذه النعمة المباركة، ان نراه بالروح كل يوم ونختبر عمله المبارك في حياتنا، لكي نقول مع المرنم:

"اما انا، فبالبر انظر وجهك، اشبع اذا استيقظت بشبهك".

ان كنا اموات عند مجئ يسوع الثاني، سوف نقوم من بين الاموات بشبهه، وان كنا احياء فسوف نختبر جميعًا الوعد المبارك في رؤيا يوحنا 4:22:

"وهم سينظرون وجهه، واسمه على جباههم، ولا يكون ليلٌ هناك، ولا يحتاجون الى سراجٍ او نورِ شمسٍ، لان الرب الاله يُنير عليهم، وهم سيملكون الى ابد الآبدين".

آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا