وشهد شاهد من أهلهم مشكلة الوجود المسيحي العربي

على الرغم من أنهم كانوا هنا قبل المسلمين بمئات السنين، أن وجود المسيحي، بيننا ضروري لصحتنا العقلية والنفسية ولتقدمنا الحضاري والثقافي، كما أن وجودهم بيننا، يجعل المجتمع أكثر تسامحا بعضه مع بعض من جهة، ومع الآخر من جهة ثانية، كما أن لغة التخاطب بوجودهم تصب
04 فبراير 2009 - 11:53 بتوقيت القدس

لا يعاني المواطن غير المسلم، والمسيحي واليهودي بشكل خاص، مشاكل كبيرة في العيش بسلام مع بقية مواطنيه في غالبية دول المغرب العربي، مقارنة بوضع أقرانهم في دول المشرق، على الرغم من أن وجود مسيحيي الشرق بالذات سابق لوجودهم في أي منطقة أخرى في العالم. لذا نجد أن المواطن غير المسلم في دول المغرب، بشكل عام، لا يفكر في الهجرة، كما هو حال، وربما مآل مسيحيي الشرق الذين يتملكهم يوما عن يوم الشعور بضرورة البحث عن موطن آخر، خوفا من التطرف الديني على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، على الرغم من أنهم كانوا هنا قبل المسلمين بمئات السنين!
يمكن القول بشكل عام، مع إصرار على تجاوز فترات مظلمة في تاريخ المسيحيين واليهود في دول الشرق، بأن أوضاع غير المسلمين «الأمنية بالذات»، في بلاد الإسلام بشكل عام لم تكن سيئة دائما، وخاصة في فترات التسامح والازدهار الثقافي والفني والبحث العلمي التي لم تستمر طويلا إبان حكم العباسيين. ولكن هذا الخوف تزايدت وتيرته مع بداية الصحوة الدينية الإسلامية ، التي ترفض التعايش مع الآخر، ما لم يكن ذلك التعايش خاضعا لشروطها الدينية التي من أساسياتها تقسيم الآخر بين مسلم وذمي وكافر ومشرك وعبد وحر ورجل وامرأة وغير ذلك، وقد تسبب كل ذلك في حركة هجرة الشباب المسيحي إلى دول الغرب، وهي الهجرة التي بدأت هادئة ومتقطعة قبل ثلاثة عقود، وأصبحت أكثر وضوحا في السنوات القليلة الأخيرة، وبالذات من مصر ولبنان والعراق، وأغلب، وربما كل من هاجر من هؤلاء لا يفكر حتما بالعودة لما كان يوما، ومن آلاف السنين، البيت والوطن والأرض الطيبة! والغريب أن جهات إسلامية ومسيحية تشجع هؤلاء على الهجرة، سواء بالتهديد المباشر لأوضاع حياتهم، أو بإشاعة ما ستصبح عليه أوضاعهم في منطقتنا، إن تسلمت الأحزاب الدينية الأصولية زمام الحكم في أي دولة عربية، كل هذا مع وجود هاجس الدعوة التي تتبناها أحزاب وجهات عدة للعودة إلى نظام الخلافة الإسلامية، وكل هذه المطالبات كافية لبث الرعب في نفوس الأقليات المسيحية الشرقية، التي لم تنس ما عاناه آباؤهم وأجدادهم من ذل وتحقير على يد العثمانيين، التي يتجنب أتراك اليوم حتى التطرق إليها!
وقد يتساءل البعض عن سبب كل هذا الاهتمام بمسيحيي الشرق، والخوف على مصيرهم، وسبب الحرص على بقائهم بيننا، بالرغم من اختلافهم الكبير عن أسلوب عيش وتفكير الغالبية العظمى من سكان أي وطن عربي وشرقي، وللإجابة على ذلك، فإننا سنتجنب الدخول في متاهات التاريخ، وسنتجنب أيضا الجدال في العدد الحقيقي لمسيحيي دول الشام والعراق ومصر مثلا، قبل الغزو الإسلامي لبلادهم، أو بعد ذلك، لكي نؤكد حقهم في البقاء هنا ومعاملتهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، مثلهم مثل غيرهم، فهذا سيطول بحثه وربما لن ننتهي إلى نتيجة حاسمة، على الرغم من تاريخ التعايش المشترك الذي يجمع الطرفين لأكثر من 1400 عام وهو أكثر من كاف، بل سنحاول هنا أن نبين أن وجود المسيحي، وغيره من أتباع الديانات الأخرى، بيننا ضروري لصحتنا العقلية والنفسية ولتقدمنا الحضاري والثقافي، هذا إضافة إلى حقهم الطبيعي في هذه الأرض كغيرهم من المواطنين.
فلا أحد يمكن أن ينكر حقيقة أن عطاء المسيحي لوطنه في حقول الثقافة والفنون والآداب يزيد بكثير عن نسبتهم لعدد السكان الإجمالي في أي دولة عربية أو إسلامية بشكل عام.
كما أن الفضل يعود إليهم في المقام الأول في ترسيخ مفهوم الوطن والمواطنة، وبغيابهم يسهل على معادي هذا المبدأ محو هذا الشعور وإذابة الوطن في كيانات أكبر قد لا تكون مناسبة.
كما أن وجودهم بيننا، أو وجودنا بينهم، لا فرق، يجعل المجتمع أكثر تسامحا بعضه مع بعض من جهة، ومع الآخر من جهة ثانية. كما أن لغة التخاطب بوجودهم تصبح أكثر تهذيبا ورقيا، ولو كان مفتعلا في مراحله الأولى، فسرعان ما يصبح عادة وجزءا من مسار الحياة.
ووجودهم بيننا، أو العكس، يجعل من ألوان المجتمع وثقافاته أكثر تعددا وتنوعا ومن الحياة أكثر بهجة. وزيارة لقرى ومدن أقباط مصر في المنصورة، أو ضيع الموارنة في كسروان لبنان، أو مدن الأرثوذكس في وادي النصارى بسوريا، ستبين ما يعنيه هذا الكلام، فهل بإمكان أحد تخيل بكفيا أو شتورة أو بسكنتا أو صيدنايا أو معلولا أو حتى المنصورة من غير مسيحييها؟
وفوق هذا وذاك فإن المسيحيين العرب، بالإضافة إلى كل مناقبهم وإسهاماتهم الكبيرة في كل نشاط، لم تقع بينهم وبين المسلمين أي حروب حقيقية منذ انتهاء الحروب الصليبية، وحتى اليوم. كما أن الكثيرين منهم وقفوا مع صلاح الدين ضد الغزاة الصليبيين. كما ان مسيحيي لبنان ومسلميه لم تقع بينهم حرب دينية واحدة طوال أكثر من ألف عام، ولكن فجأة شعر المسيحي اللبناني والعراقي والمصري أن وجوده مهدد، بعد قتل رهبانهم وبطاركتهم وهدم كنائسهم ومنعهم حتى من ترميم القديم منها، وبعد كل ذلك ماذا يتبقى من وهج لبنان وعنفوانه وتنوعه إن رحل المسيحيون عنه؟ والأمر ذاته ينطبق على سوريا والعراق ومصر وغيرها من الدول العربية.

الكاتب أحمد الصراف عن جريدة القبس الكويتية

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. جلال مرشد 04 فبراير 2009 - 17:32 بتوقيت القدس
المسحيون نور العالم المسحيون نور العالم
لولا المسيحيون لساد الظلام في المشرق العربي، ولأكل الناس بعضهم البعض. المسيحي محب ولطيف ومسامح، وهو لا يكفّر أحد بل يحب جميع الناس ويصلي من أجل خلاصهم. المسيحي يحب المسلم ويتمنّى له كل الخير كما نتعلم من الرب يسوع المسيح في الإنجيل المقدّس، وصلاتي أن يدرك المسلمون أن مشكلتهم ليست مع المسيحيين بل مع الخطية بكل أشكالها وخاصة مشكلة الكراهية التي يتعلمونها. صلاتي الى الرب يسوع أن يحفظ كنيسته في فلسطين ومصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن والسودان، وأتمنى أن نعمل كمسيحيين من أجل خلاص أحبتنا المسلمين وقيادتهم الى الخلاص بدم الرب يسوع المسيح الذي مات على الصليب من أجلهم
2. خليل خوري 04 فبراير 2009 - 17:33 بتوقيت القدس
هل سيتم تكفير وقتل الكاتب هل سيتم تكفير وقتل الكاتب
دعونا نصلي الى الله ان يحفظ كاتب المقالة من القتل من قبل الظلاميين من المسلمين فهم لا يحتملون كلمة صادقة بحق المسيحيين
3. MADLEN 04 فبراير 2009 - 22:16 بتوقيت القدس
الرب سندي الرب سندي
يتضح لنا لقرائتنا لهذا المقال ان الكاتب له نظرة ثاقبه لواقع الاحداث التي حصلت وستحصل للمسيحيين واليهود في الشرق الاوسط.وقد وضع هذا الكاتب المخضرم النقات على الحروف.في الوقت الذي يقف المسيحيون حائرين متسائلين ما العمل؟؟ الجواب في مزمور 18 اصابوني في يوم بليتي وكان الرب سندي امين ليتنا نصلي حتى الرب يفتح الابواب والاعين حتى يذهب الظلام وينقشع نور المسيح على العالم اجمع
4. امير 04 فبراير 2009 - 23:23 بتوقيت القدس
المسيح المسيح
اذا كان الدين يجب علينى ان لا ننسى انى اولن عرب كلنا اخوان قبل المسيح ولاسلام يجب علينى ان لا ننسي قضيتني العدله وننخرط الى من شردنى وما زال حتى الان يقتل ويوشرد لا بودا من وحدى عربيه في وجه هذا العدو المجرم الذي يذبح اخوانه في العراق وغزه عزرا كل العزر غزه هذا ما نصططيع ان نقول لا نحكي هذا العار لتاريخ لانه عار على كل عربي
5. بشارة 07 فبراير 2009 - 15:35 بتوقيت القدس
ان كان الله معنا فمن علينا,ولكن هل نحن مع الرب؟ ان كان الله معنا فمن علينا,ولكن هل نحن مع الرب؟
6. مارتن كورش الاشوري 07 فبراير 2009 - 17:57 بتوقيت القدس
هل من منقذ؟ هل من منقذ؟
حسن ان نقرأ لكاتب غير مسيحيي مثل هكذا مقالة على الاقل اقرارا منه وعن قناعة باننا كنا السكان الاصليين في مصر والعراق.لكن هل سأل اي منا نفسه كيف تحولنا الى مواطنين من الدرجة الثانية في بلدان نحن بناة حضارتها؟لابد الجواب موجود واوله تفككنا قومياواوله تفككناكنائسيا فانت تنظر التسميات الجديدة في آشوريي العراق وتنظر العديد من الكنائس في العالم وليس الشرق الاوسط.اليس هذا ضعف وان كان قوة في كنيسة ما.هل فكر رجال ديننا ان يتوحدوا بالاستناد الى الكتاب المقدس؟هل فكر رجال سياستنا ان يتوحدوا في جبهة واحدة؟الدين واحد والرب واحد.العرق واحد في العراق واحد في مصر.الضعف فينا هو الذي اوصلنا لكي نطلق العنان لأقدامنا لتنهب ارض الهجرة نهبا.فحتى بلدان الهجرة التي لجئنا اليها لم ولن نجد فيها الاالذوبان.ذوبان الروحانيات وذوبان العرقيات.النتيجة هي الضياع.هل فكر رجال الدين المسيحي وهم يدخلون قاعات اجتماعات(حوار الاديان)من هم الاكثر ضررا من بين المتحاورين؟انهم نحن المسيحيين.مضطهدين مهجرين قسريا من أوطاننا فاخترنا الهجرة كأطفال صغار افترقا والديهما طلاقا ليعيشوا من غيرهما.الوطن هو هاذين الاثنين والدينا.من يفهم هذا الامر؟رجل الدين فينا ام رجل السياسة؟ليس لنا الا الرب هو الوحيد الذي فاتح ضراعيه وينتظرنا وقد وهبنا الملكوت لنا وطن اصلي وليبقى الوطن الارضي لكل الذين يقرعون طبول الحرب ويلهثون خلف كراسي الحكم.لذلك وان هُجرنا من اوطاننا دعونا ان لا نهجر ادياننا ربنا فهو الباقي لنا يشعر بماساتنا والذي دفع ثمن خطيتنا.واذكر هنا قول احد الواعظين(اذا لم يبق لك سوى الله.فالله وحده يكفي).ودعوني اشكر كاتب المقالة وله كل التقدير.
7. shawky 12 فبراير 2009 - 08:41 بتوقيت القدس
Honest Article Honest Article
God Bless the writer . Ahmad El Sarraf