مئات العائلات المسيحية العراقية فرت الى لبنان

لم تعد العودة الى الوطن خيارا "ابدا"، بالنسبة لنحو 1200 عائلة من مسيحيي العراق الذين لجأوا الى لبنان، وآخرهم هرب من الابادة والتهجير القسري من قبل " تنظيم الدولة" ضد الاقليات في الموصل تحديدا
15 أغسطس 2014 - 20:35 بتوقيت القدس
الاناضول

لم تعد العودة الى الوطن خيارا "ابدا"، بالنسبة لنحو 1200 عائلة من مسيحيي العراق الذين لجأوا الى لبنان، وآخرهم هرب من الابادة والتهجير القسري من قبل " تنظيم الدولة" ضد الاقليات في الموصل تحديدا، حيث يتخذ هؤلاء من لبنان محطة "ترانزيت" استعدادا للهجرة الى الغرب.

مسيحيو العراق يهاجرون الى الغرب

تهتم المطرانية الكلدانية في لبنان بهؤلاء، فتقوم بتسجيل العائلات وتوزيع الحصص الغذائية عليهم، بالاضافة الى تأمين ما يمكن، سواء من المطرانية مباشرة او بالتنسيق مع السلطات اللبنانية المعنية، مع العلم ان العديد من هذه العائلات لم يتمكن من الوصول الى لبنان لان مقاتلي " تنظيم الدولة " صادروا اوراقهم واموالهم واحرقوا بيوتهم وسياراتهم.

وقال، امير بولس (57 سنة) خلال تسلمه حصته الغذائية، انه وصل الى لبنان منذ 10 ايام بعدما "هربنا من عصابات تنظيم الدولة المجرمة ولم يعد هناك من امل للبقاء في العراق".

اعرب بولس، في حديث لـ "الاناضول"، عن ارتياحه "مع اشقائنا في لبنان والمعاملة جيدة جدا"، مشددا على انه "لن ارجع الى العراق فليس هناك من استقرار. والشعب المسيحي مضطهد".

وفي هذا السياق، قال ‫الأب العراقي دنحا توما يوسف، وهو نائب أسقفي لكنيسة الكلدان في بيروت ويقوم بالاهتمام بالعائلات الواصلة من العراق، في مقابلة خاصة مع "الاناضول"، انه بعد الاحداث الاخيرة "وصلت عوائل قليلة الى لبنان ذلك ان اكثر من 1100 عائلة هربت من الموصل لكن " تنظيم الدولة " وضعت حواجز واستولى مقاتلوها على الأموال والأوراق الرسمية والجوازات، لذلك لم يصل عدد كبير الى لبنان لكن سيأتي عدد أكبر".

ولفت توما الى ان عشرات العائلات التي تسجلت حتى الآن قادمة من الموصل، مشيرا الى انه "بشكل عام يوجد 1200 عائلة في لبنان".

واضاف انه "طلبنا مساعدات لأن القادمين بحاجة لمساعدات مالية، وبدأنا بتسجيل العوائل ونساعدهم بقدر استطاعتنا وحسب"، موضحا ان غالبية من العائلات اللاجئة "ليس لديها سكن فسكنت مع بعض العائلات العراقية" التي سبقتها بالنزوح الى لبنان.

ولفت الى ان المطرانية في عملها هذا تعتمد على التبرع بشكل أساسي "لأن الكنيسة لا تستطيع تغطية كل الإحتياجات"، خصوصا مع ارتفاع تكاليف السكن والاستشفاء في لبنان.

واوضح ان المطرانية انفقت اكثر من 50 ألف دولار اميركي كنفقات لاجراء عمليات جراحية ومعالجة أمراض مزمنة للاجئين، مشيرا الى ان هناك حالات تصل فيها العائلات الى لبنان وقد سلبت اموالها ولم يتبق معها الا اجرة الوصول الى لبنان، فتأخذ المطرانية على عاتقها تأمين سكن لهم.

ولفت الاب يوسف الى انه "في عهد (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين كان تعداد المسيحيين 1.6 مليون نسمة، غالبيتهم من الكلدان يتوزعون في كل العراق من الجنوب الى الشمال، لكن اليوم بسبب الإرهاب وتنظيم الدولة  تقلص الرقم الى 350 ألف مسيحي والغالبية أتت الى لبنان".

واوضح ان لبنان "شكل محطة ترانزيت (لهذه العائلات). فمنذ 2003 حتى اليوم، أكثر من 30 ألف عائلة سافرت وهاجرت من لبنان الى دول أخرى. أغلبية المسيحين العراقيين المهجرين هم كلدانيون ويوجد عائلات تتبع الكنائس السريانية والآشورية والأرثوذكسية".

ولفت الى ان المسيحيين الكلدان السوريين الذين تركوا سوريا قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية فيها في آذار/مارس 2011، توجهوا الى الدول الأوروبية واميركا عن طريق الامم المتحدة، وعندما بدأت الحرب في سوريا أتوا الى لبنان وأصبح هناك ضغط على الكنيسة الكلدانية.

وشدد على ان الكنسية الكلدانية في لبنان "تحاول تغطية النواحي كافة ثقافيا كالمدارس، وصحيا كالمستشفيات والسكن، ومن الناحية السيكولوجية لوجود عائلات مرهقة نفسيا"، لافتا الى "تنسيق مع الدولة (اللبنانية) مثل الطلب من وزارة الصحة ان تخصص لنا مستشفيات اذا واجهنا حالة تقوم المستشفى بمعالجتها إما مجانا أو بكلفة معقولة".

وأكد يوسف أنه "لا يوجد عائلة من اللاجئين العراقيين المسيحيين تفكر بالبقاء في لبنان وجميعها تريد الهجرة. لبنان مثل ترانزيت، كثير من العائلات أتت اليه وهاجرت".

واضاف ان "العودة الى بلدهم صعبة الا في حال استتب الأمن ولا أعرف متى سيحصل ذلك مستقبلا. لكن الأمل ضئيل جدا للعودة".

في احدى الملاعب الصغيرة في ضاحية بيروت الشرقية، يتجمع العديد من العائلات بانتظار افراغ حمولات الشاحنات الصغيرة التي تحمل اكياسا مملوءة بالمواد الغذائية ومخصصة لتوزيعها عليهم.

يتولى عدد من الاشخاص اخذ جواز سفر او هوية كل منهم بالاضافة الى بطاقة تسجيل خاصة وزعتها عليهم المطرانية الكلدانية عند تسجيلهم، فيتم تدوين اسماء المستفيدين في جداول تمهيدا لتسلم الحصص.

غالبيتهم رفض التحدث للكاميرا، لكن اورهان (37 سنة)، لفت الى انه وصل الى لبنان يوم 26 تموز/يوليو الماضي هربا من "تنظيم الدولة الذين هجموا علينا وافرغوا بيوتنا من محتوياتها. اخذوا سياراتنا ولم يتركوا لنا شيئا".

وشدد اورهان على انه "لم يبق لنا ابدا اي مكان لنبقى فيه داخل العراق. اتمنى ان يسمع صوتنا، نحن المسيحيون لا يريدوننا (تنظيم الدولة) هناك في العراق. ومن لا يريدنا فلا نريده"، معتبرا انه "محظوظ" لقدومه الى لبنان مع عائلته "ذلك ان من بقوا من جماعتنا هناك (العراق) محاصرين".

واكد انه "لم يبق من مكان للمسيحي في العراق. لا افكر بالعودة لانه لم تعد للمسيحي قيمة في العراق ومستعد للهجرة الى اي مكان".

من ناحيتها، سميرة ميخائيل بولس (68 عاما)، موجودة في لبنان منذ ثلاثة اشهر في لجوئها الثاني بعد سوريا التي مكثت فيها اربع سنوات، "ولم تقدم لي الامم المتحدة شيئا".

وقالت بولس ل"لاناضول" انه لا داعي لتتكلم عما يجري في العراق لانه واضح، فهناك تقوم تنظيم الدولة "بذبح المسيحيين وتهجيرهم من بيوتهم".

واصرت بالقول "لن اعود الى العراق"، مشيرة الى انه قدمت اوراق الهجرة الى اميركا "حين كنت في سوريا وسأتابعها خلال وجودي في لبنان".

شدد الاب يوسف على ان "تنظيم الدولة  ليست كل الإسلام ويوجد إسلام معتدل لا يقبل بأفعالها"، موضحا انه حتى في الموصل "لم يقبل المسلمون بتنظيم الدولة... و80% من عناصرها في الموصل هم من خارج العراق".

وقال "في الموصل، رأينا تنظيم  الدولة  التي تحمل علم لا إله إلا الله تفجر المسجد المكتوب عليه نفس الشعار وفي داخله كتاب من القرآن، هل هذه الدولة الإسلامية التي تؤمن بالدين الإسلامي؟".

ورأى ان المشكلة في العراق أنه "لا يوجد أمان، وحتى إقليم كردستان الآمن مهدد من داعش"، مضيفا ان "المسيحي لا يستطيع أن يقاوم ويحمل السلاح وذلك صعب في وجه داعش".

ولفت الى انه "لا يمكن أبدا أن يتحمل أحد العيش مع وحوش. لذلك إختار المسيحيون الطريق الأسهل وهو الهجرة والإبتعاد عن الشر والبدء بحياة جديدة".

واعتبر ان النار التي تجتاح المنطقة حاليا "لا تحرق المسيحيين فقط بل الإسلام أيضا"، داعيا الغرب وتحديدا فرنسا والولايات المتحدة "إن كانتا جادتين في حمايتنا الى تشكيل قوة دفاعية تحمي كل المناطق المسيحية كما فعل الأكراد في العراق".

وقال يوسف ان "لبنان مستهدف أيضا لكنه ليس كالعراق لأن لديه جيش وتكاتف" من قبل الشعب حوله على الرغم من الخلافات السياسية، مشيرا الى انه في الموصل كان "الجيش 80 ألفا لكنه انسحب مقابل 2000 من عناصر تنظيم الدولة. هذا ليس منطقا".

لا يبدو بطرس (40 عاما)، مطمئنا الى الاوضاع في العراق بكل الاحوال، فهو اصر انه "لو استبدلوا (رئيس الوزراء العراقي نوري) المالكي بعشرة غيره، فالعراق لم يعد صالحا للعيش. انا لن اعود واسعى للهجرة الى اميركا".

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
قد يهمك ايضا