أسقف: الكنيسة الأوروبية تعاني الشيخوخة

يقول الأسقف في الفاتيكان في أبرشية ماتزارا ديل فاللو بجزيرة صقلية انه يتمنى أن يكون البابا القادم غير إيطالي وغير أوروبي، لأن الحماس والقوة يأتيان من الكنائس الشابة في أفريقيا وكنائس الشرق.
21 فبراير 2013 - 23:52 بتوقيت القدس
الجزيرة / غادة دعيبس

يقول الأسقف في الفاتيكان في أبرشية ماتزارا ديل فاللو بجزيرة صقلية جنوبي البلاد مونسينيور دومينيك موغافيرو إنه يتمنى أن يكون البابا القادم غير إيطالي وغير أوروبي، لأن الحماس والقوة يأتيان من الكنائس الشابة في أفريقيا وكنائس الشرق.

ودافع موغافيرو -في هذا الحوار الذي أجرته معه الجزيرة نت- بقوة عن البابا بنديكت السادس عشر الذي استقال مؤخرا من منصبه، واعتبر أنه كان حازماً في ما يتعلق بمشاكل الكنيسة وتحديداً فضائح الاعتداءات الجنسية على الأطفال، ودعا إلى عدم التستر على الكهنة المذنبين ونسيان الضرر الذي سببوه لهؤلاء القاصرين.

كما يرى أن الكنيسة تمر بمرحلة خاصة، حيث يبرز الكثير من العوامل الإنسانية السيئة من فضائح أخلاقية وفساد في بنك الفاتيكان وصراعات على السلطة.

وفي ما يلي نص الحوار:

هل الكنيسة الكاثوليكية بصدد بدء تاريخ جديد بعد استقالة البابا بنديكت السادس عشر؟

بالتأكيد الحدث كان غير طبيعي لأنه لم يكن متوقعا، لكنه ليس بالحدث المخيف مثلما وصفه البعض. فأنا متخصص في القانون الكنسي، والاستقالة تدخل ضمن العرف القضائي للكنيسة إذا ترك البابا منصبه بطريقة سلمية بعد تفكير معمق.

في ظل الظروف الكنسية والعالمية التي نعيشها ما حدث يعتبر أمرا مريبا حتى جعل البعض يعتقد بأنه عاملٌ آخر للإخلال باستقرار إيطاليا، لكن استقالة البابا تدخل ضمن عمل طبيعي يدل على إدراك قداسته بظروف صحته الجسدية والنفسية وبأنه لم يعد بإمكانه أن يقدم ما هو الأفضل للكنيسة والخدمة التي تتطلبها، كما صرح بنفسه.

البعض اعتبر استقالة بنديكت السادس عشر بمثابة هزيمة؟

هذه قراءة قسرية، فالبابا لم يرفع يده مستسلما ولم يقل أنا غير قادر، وبالتالي أترك لغيري حل هذه المشاكل. أنا أعتقد بأن قداسته كان حازما في ما يتعلق بمشاكل الكنيسة وتحديدا فضائح الاعتداءات الجنسية على الأطفال بشكل غير منتظر. فقد قلل من البيروقراطية القانونية بهذه القضايا وأعطى وقتا لمواجهتها وتحويلها إلى جريمة خطيرة بعد أن كان يُتعامل معها وكأنها جريمة طبيعية، وأظهر عزما وقدرة لم يتوقعها البعض.

إنها مرحلة خاصة في حياة الكنيسة، وحيث يبرز الكثير من العوامل الإنسانية السيئة من فضائح أخلاقية وفساد في بنك الفاتيكان وصراعات على السلطة، لكن هذا لا يعني أنه استسلم وإنما هو يعلم بأنه مدعو لدعم الكنيسة ومواجهة كل هذه المشاكل.

غير أن صحة البابا لم تساعده، فالرجل يبلغ 85 عاما، وأنا أعتبر ما فعله عملا في قمة الصدق والإخلاص تجاه الكنيسة، واستقالته لم تكن بالاختيار المريح ووضع في حساباته كل ردود الأفعال وتحمّل هذا الصليب.

نفس المشاكل كانت في عهد البابا يوحنا بولص الثاني فلماذا لم تنفجر بهذا الشكل أو لماذا لم تحدث صخباً؟

أصبحت هناك حاجة أكبر للشفافية، وشجاعة لمواجهة الواقع، ويجب على الكنيسة ألا تدّعي الكمال لأنه ليس من صفات الإنسانية، وهي مدعوة للقداسة لكنها مكونة من الإنسان، من الصالحين والطالحين.

كانت الكنيسة ولزمن معين تُخفي الحقائق السيئة وكأنها كانت تخفي الشمس بشبكة، لكن كل الاحتياطات التي اتخذتها انكشفت في النهاية. وظهور هذه القضايا اليوم يدل على شجاعة بنديكت السادس عشر الذي أراد مواجهة الشر الواقع واقتلاعه من جذوره، وأراد أن يعاقب كل من أخطأ حسب القانون الكنسي.

يجب ألا نخفي الضرر وعلينا أن نحاربه بالوسائل التي لدينا، لأننا لا نريد أن نتستر على الكهنة المذنبين وننسى الضرر الذي سببوه لهؤلاء القاصرين والعنف الخطير الذي مارسوه عليهم.

إذاً هل أراد جوزيف راتسنغر (الاسم الأصلي للبابا المستقيل) أن يصحح الكنيسة في حين يوحنا بولص الثاني لم يعط الأولوية لهذه المسائل؟

في عهد فويتيلا (الأسم الأصلي للبابا يوحنا بولص الثاني) بدأت المشاكل تظهر لكن ليس بهذه الخطورة. في البداية بدت الأمور وكأنها حالات خاصة مرتبطة ببعض المناطق الجغرافية ومن ثم اكتشفنا أن المشكلة كانت أوسع وفي بلدان متعددة وهذا جعلنا نفهم أنه لا يمكن إنهاء المشكلة ببساطة. الجرح كان صغيرا بعهد فويتيلا لكنه ظهر كبيراً وخطيراً جدا بعهد راتسنغر.

ماذا عن الصراعات على السلطة والفساد داخل مجلس الأساقفة الرومانيين (كوريا رومانا) والتي أراد البابا أن يواجهها؟ وعما سمع بأن الأساقفة الرومانيين لا يريدون رئيسا أجنبيا للكنيسة الكاثوليكية؟

هذا جزء من الجوانب الإنسانية للكنيسة والتي تحدثتُ عنها سابقاً، لكن علينا ألا نعطي أهمية كبيرة لدور وموقف الكوريا رومانا لأنه وإلى جانب هذا المجلس الذي تبرز فيه بعض الخلافات والجوانب غير المشتركة، هناك شعب الكنيسة وأساقفة إيطاليون وأوروبيون وأفارقة وشرقيون، وتظاهرات كاثوليكية مخلصة وشفافة يمكنها أن تعادل كفة الميزان. نحن أيضاَ قدمنا شكاوى ضد بعض ممارسات الكوريا رومانا التي لا تتماشى مع سياسة الشفافية لتعاليم الكنيسة ورسالة الإنجيل.

وأنا من جهتي أتمنى لو يأتي بابا غير إيطالي، سواء أفريقي أو فلبيني أو من أميركا اللاتينية، وأنا على قناعة بأن البابا القادم هو البابا الذي نحتاجه في أوقاتنا هذه، ولا أعتقد بأن البابوية حكرٌ على الإيطاليين.

في هذه اللحظة بالذات الكنيسة تعبت ولهذا تتطلب جهودا وقوة تأتي من الكنيسة الشابة، فالكنيسة الأوروبية تعاني من شيخوختها، والحماس والقوة والشجاعة اليوم تأتي من الكنائس الشابة في أفريقيا وكنائس الشرق، والتي يمكنها تقديم مساهمات جميلة وشابة ومبدعة وجديدة.
البعض يتهم البابا بأنه كان منغلقاً تجاه الجيل الجديد والعالم الخارجي والحوار بين الأديان بسبب "تفكيره المتشدد" في ما يتعلق "بالحقيقة الواحدة"؟

البابا بنديكت السادس عشر يتمتع بفكر ثقافي عال جداً، فهو لاهوتي ودارس كبير وساهم بشكل كبير سواء في زمن المجمع الفاتيكاني الثاني أو ما بعد المجمع حين كان مسؤولاً عن مجمع عقيدة الإيمان، وأيضاً خلال السنوات الأخيرة من بابويته. جوزيف راتسنغر ينتمي إلى عالم أكاديمي عالي المستوى بحيث يصعب علينا أحياناً فهم تعاليمه أو تبنيها، وبالتالي لم نعرف كيف نتوجه معه.

بدون شك، بسبب مستواه الثقافي يعطي الانطباع بأنه متشدد وبأنه مدافع عن "حقيقة واحدة"، وقد انعكس هذا على طريقة حكمه للكنيسة بحيث يصعب فهمه أحياناً من قبل الشعب وأصحاب الرأي العام. وقد حدث أن كانت هناك لحظات أثارت فيها خطاباته سوء فهم كبير.

ومثال على ذلك خطابه في إحدى جامعات ألمانيا بشأن الإسلام، والذي خلق شرخا كبيرا مع العالم الإسلامي واحتاج الأمر سنوات لتوضيح جزء من فكرته. أعتقد أن المشكلة الكبيرة أن البابا حينذاك استعمل اقتباسا لإمبراطور بيزنطي قديم دون أي تعليقات أخرى ليوضح فكرته، وهذا فُهم على أنه يتبنى تلك الفكرة.

نعم، راتسنغر لا يتمتع بالزخم المسكوني الذي كان يتمتع به البابوان بولص السادس أو يوحنا بولص الثاني، لكن ذلك لا يعني أنه غير قادر على الحوار الأكاديمي والمواجهة مع من يفكر بطريقة مختلفة.

كيف تقيّم وضع الكنيسة منذ المجمع الفاتيكاني الثاني؟

الكنيسة اليوم تمر بمرحلة خاصة كما ذكرت لكنها لن تتراجع. عندما عُقد المجمع الفاتيكاني الثاني منذ خمسين عاماً (1962-1965) تم تعريفه بالربيع العربي للكنيسة الكاثوليكية، وإذا فكرنا بأن حركات التحرير في العالم العربي اليوم تم تعريفها بالربيع العربي فهذا يعطيني إحساسا جميلا جداً وهو استخدام نفس المصطلح للدلالة على لحظات التغيير الكبيرة للكنيسة آنذاك وللحركات التحررية في العالم العربي ضد الأنظمة اليوم.

المجمع الفاتيكاني الثاني كان منعطفاً غير اعتيادي في تاريخ الكنيسة وأرجع إلى الكنيسة الرسالة التي تأسست من أجلها، وفي ضوئه اكتشف قيمة مهمة البابا والكنائس المحلية، وقوة الكنائس الشرقية، والعمل الجماعي وجعل الكنيسة تكتشف بأنها تعيش في العالم وأن العالم ليس عدوا لها بل يلزم أن تتواصل معه. كما ساعد المجمع الفاتيكاني الثاني على اكتشاف الترابط بين الديانات السماوية الأخرى.

كيف سيكون حكم الكنيسة في المستقبل بحضور بابوين؟

البابا بنديكت السادس عشر اختار أن يذهب بصمت وأن يواصل حياته في الكنيسة بالصلاة والتأمل. لا أعتقد أن إقامته في الفاتيكان ستخلق مشاكل وأنا مقتنع بأنه لن يتلكم في العلن ولن يدلي باية مقابلة.

وإذا كان اختار أن يعيش بخصوصية وعبر عن رغبته بأن يرجع إلى دراساته وتأملاته فهو يعلم بأنه بذلك يمرر البابوية إلى خلفه ولن يتدخل أبدا.

من سيكون البابا القادم حسب توقعاتك؟

البعض يتوقع أن يكون واحدا من أتباع راتسنغر لأن مجلس الكرادلة الذي سينتخب البابا الجديد يتكون من 117 كردنالاً منهم 84 عينهم البابا بنديكت السادس عشر.

البابا القادم قد يكون له نفس سياسة راتسنغر أو قد يكون له سياسة أخرى لكنني واثق أن أولوياته ستكون لمصلحة الكنيسة وخدمتها وسيعمل من أجل تلبية احتياجاتها.

ما هي مواصفات البابا الذي تحتاجه الكنيسة اليوم؟

نحن نحتاج إلى بابا شجاع يدير الكنيسة بشفافية وقادر على التواصل والحوار مع العالم ومواجهة الحقيقة دون خوف، وهذا أكثر ما تحتاج إليه الكنيسة اليوم. نحتاج إلى بابا يعيش الكنيسة ضمن عالمنا هذا، ويجري تعديلات على بعض أعراف الكنيسة، وأن يعلن كلمة الإنجيل بالأفعال وليس بالأقوال.

من أي جنسية سيكون البابا القادم؟ البعض يقول إنه سيكون أفريقياً أو فلبينياً. وهل سيكون قادراً على حل مشاكل الكنيسة؟

أعتقد أن بابا من جنسية أفريقية أو فلبينية سيكون الشيء الأمثل، لأن من هناك تأتي الكنيسة اليافعة بضميرها ونضوجها. ومع أن البعض يقول إن الوقت غير مناسب لبابا ذي لون أسود لكنني آمل ألا يكون أوروبياً. أما عن قدرته على حل مشاكل الكنيسة فهذا يعتمد على قدر إصغائه للأساقفة والكنائس المحلية والعمل الجماعي. وإذا قدم كل واحد واجباته وإسهاماته، فسوف تُلبي احتياجات الكنيسة.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا