ما هو الموقف المسيحي المطلوب تجاه المأساة الكارثة في سورية؟ لو كانت هذه المأساة - الكارثة تحصل في أي بلد أوروبي مثلاً لوجدنا العديد من اللاهوتيين يتصدون للبحث في هذا الموضوع الخطير، ويدعون إلى اتخاذ موقف مسيحي كتابي تجاهه. وقد اتّهم الكثيرون الكنيسة المسيحية في ألمانيا مثلاً بالتقصير عندما لم تتصدَ علنًا للجرائم النازية البشعة. وفي المقابل وجدنا عددًا من اللاهوتيين الغربيين والشرقيين يتحدثون بكل جرأة ضد جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ومواقفه العنصرية. وبيّنوا استنادًا إلى تعاليم الكتاب المقدس أن لا علاقة لإسرائيل اليوم بإسرائيل العهد القديم. لكن ما نفاجأ به أن لا احد يعلن أي موقف واضح تجاه ما يحصل في سورية اليوم من جرائم تقشعر لها الأبدان. ولعلّ أحد الأسباب الجوهرية في ذلك، أن لا أحد يريد أن يضع نفسه مدافعًا عن الجرائم التي تقترفها العصابات الإسلامية المتطرفة. لكن هذا لا ينفي أهمية اتخاذ موقف مسيحي كتابي تجاه المأساة – الكارثة التي تحصل في سورية. وانني أدعو من على صفحات هذا الموقع المسيحي للمشاركة في النقاش حول هذا الموضوع الهام الذي يمس مجتمع محوري من مجتمعاتنا العربية.
للانطلاق في هذا البحث علينا أن نؤكد وجود جانبين للموضوع. إن جرائم العصابات الإسلامية البشعة يجب أن لا يخفي عن أعيننا أيضا الجرائم المروعة التي يقترفها النظام في سورية. وكما نستنكر الجرائم التي يقترفها الإسلاميون المتطرفون علينا كمسيحيين كتابيين أن نستنكر أيضًا الجرائم التي يقوم بها النظام. لقد لجأ النظام منذ البداية إلى الحلول الأمنية العسكرية تُجاه شعبه، ورفض الحلول السياسية السلمية ومازال يرفضها بكل إصرار وعناد. مع العلم أن تاريخه مليء بانتهاكات حقوق الإنسان الأولية البسيطة. وكان نتيجة ذلك أن زادت النقمة عليه، وأجج الثورة ضده. ولقد استغلّت بعض الدول العربية المناوئة لسورية مع دول غربية معينة هذا الوضع لكي تدفع بمئات الآلاف من المقاتلين الإسلاميين المتطرفين من الخارج، وهذا ما زاد الوضع مأساة، وحصلت الكارثة التي نشهدها اليوم في سورية.
اننا كمسيحيين كتابيين علينا أن ندعو اليوم إلى إنهاء المأساة - الكارثة، بشجب واستنكار ما يحصل من جرائم بشعة من الطرفين، والدعوة إلى الوقف الفوري للعنف، والبدء بالحل السياسي السلمي عن طريق مؤتمر جنيف. إن الحل الأمني العسكري الذي لجأ إليه النظام وما زال يصر عليه لن يُخرج سورية من النفق المظلم. وحده الحل السياسي السلمي هو الذي ينقذ سورية من المأساة – الكارثة. مع العلم أن هذا الحل هو الذي ينقذ مسيحيي سورية من المصير الكارثي المظلم الذي ينتظرهم.